حديث الجمعة: ما عسى القرآن يقول في قضية فلسطين؟
هل من مهام مجلس نواب الشعب تجريم العلاقات الديبلوماسية ولو كانت مع عدو اليوم السياسي، حتى ولو كان مجرما؟ أليست السياسة الحكيمة في التنبّه لتقلّب الأحوال وتدافع المصالح وتداول الدول فالمرور من العداء إلى التصالح؟ أليس ذاك ما يحتّمه الأخذ الكيّس بالسياسة؟
هذا ما لا يفعله من يسعى بالبرلمان التونسي إلى تجريم التطبيع مع إسرائيل عوض الدعوة لإقامة علاقات ديبلومسية مع هذا البلد، وغيره كسوريا، في نطاق استقلال القرار الديبلوماسي التونسي عن المصالح الأيديولوجية وصدق سعيه لإحلال السلام بالعالم، خاصة بالربوع الفلسطينية؟
فما عسى يقول الله بالفرقان في مثل هذا السعي الذي ليس فيه غير الإفساد في الأرض، إذ الخير هو العمل على إحلال السلام؟ ذلك أن الإسلام هو السلام! مع العلم أن مصلحة المحتل الإسرائيلي، والتي لم تعد تخفى على أحد، هي في دوام الوضع الحالي المتمثّل في مقاطعة دولته من طرف العرب؛ فهي التعلّة الكبرى له لعدم الاعتراف بالقانون الدولي رغم أن هذا الأخير بمثابة بطاقة ولادته بمعية دولة فلسطين، التوأم الشقيق للدولة اليهودية.
الإسلام لا يرفض تواجد إسرائيل بفلسطين:
إن الله في الفرقان لا يرفض حق إسرائيل في الحياة وبالأرض المقدسة بما أنه يقول مثلا بالآية 21 من سورة المائدة : «ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم». وكم هي الآيات التي ورد فيها ذكر إسرائيل ومنها سورة حملت عنوان بني إسرائيل، وهي سورة الإسراء. فلم مثل هذه الكراهية لأوّل التوحيديين في سلالة إبراهيم؟ أليس اليهود أبناء عم المسلمين؟ أليسوا ساميين مثل العرب؟
لم القطيعة بين المسلم وأخيه اليهودي لما اقترف البعض من اليهود، بمساندة البعض من النصارى، في حق الفلسطيني؟ أليست المطالبة بالحق الفسطيني تفرض الالتزام بالحق الذي هو في الاعتراف بحق اليهود في العيش على الأرض المقدسة تماما مثل الفلسطينيين؟ وهل هؤلاء من العرب أو المسلمين فقط ؟ أليس منهم أيضا اليهود ومنهم المسيحيين؛ كما أن من اليهود من كان عربيا في الأصل ومن بقي عربيا أيضا؟ لم نخلط السياسة البهيمة وخور أهلها مع الأخلاق وما يفرضه العدل؟ فالإسلام هو العدل أيضا!
إن القراءة المتمعّنة للقرآن دون تزمت تبيّن أن ديننا لا يرفض تواجد إسرائيل بفلسطين، إنما هو يرفض الظلم والحرب؛ وليس الظلم كله من الإسرائيليين طرا، بل هو من بعضهم، هؤلاء الذين طغوا وتجبّروا فرفضوا القانون الدولي الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني على أرضه وإلى جانبه الشعب اليهودي الذي عاش عليها وعاد إليها. فهل من غاب عن أرضه يعود ليحتلّها كلها رافضا من كان بها معه وبقي بها فلم يغادرها؛ ولعل أصوله في الحقيقة يهودية فأصبحت مسيحية أو مسلمة؟ إن العيش المشترك هو الذي يفرضه القانون الدولي والذي يجب أن تدعو إليه الديبلوماسية الفهيمة بالقبول بالعدو لتذكيره بواجباته.
الإسلام يرفض الاحتلال ويطالب بالعدل :
إذا كان حق الشعب اليهودي في الحياة كما لا يرفضه الإسلام، فبأي حق يرفضه ساستنا؟ وكيف نطبّق دعوة العدل هذه، التي هي مناط الدين الحنيف، ونحن نواصل رفض الآخر بتعلّة ظلمه ورفضه للحق؟ أليس من واجب المسلم إعطاء المثل في التمسّك بالحق؟ هلاّ اهتدينا بسنّة الرسول الأكرم الذي دعا اليهود وغيرهم إلى كلمة السواء فمثٌل مكارم الأخلاق خير تمثيل بأن تقمصها حتى مع الظالم والعدو؟ لقد كان الأسرع للعدل ولاحترام دعوة التآخي والتحابب وغض النظر عن الماضي المقيت بما فيه من ظلم؛ لأن العودة للمثل العليا يجُبّ كل ما مضى من فواحش وإجرام.
العدل الإسلامي اليوم يقتضي لا فقط أن ندعو للسلال بالربوع الفلسطينية، بل وأن نعطي المثل في ذلك بأن نبادر بإرساء علاقات مع دولة معترف بها من طرف المجتمع والمنتظم الدوليين؛ كل ذلك حسب القانون الدولي وبمقتضاه للعمل بأريحية على حمل الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تمتهن الظلم على العودة لهذا القانون الذي لم يعترف بدولتها إلا مع دولة فلسطين.
بل لم لا نسعى أيضا للدعوة لدولة واحدة تكون دولة إسرائيل وفلسطين الموحّدة، فلعل ذلك يكون الحل الأفضل نظرا للتداعيات، خاصة السياسية، لقدم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؟ فأي فرق دينيا بين توحيديين يهود ومسلمين؟ وما يفرّق بين من يسعى صادقا لإرساء الديمقراطية بتلك الربوع من الطرفين؟ أليست الديمقراطية الحقّة في تجاوز الاعتبارات الدينية والعرقية علاوة على الصراعات السياسية لأجل سلطة القانون والدولة المدنية؟
طبعا، هذا يشبه الحلم؛ إلا أن كل الإنجازات العظيمة في تاريح البشرية بدأت بالحلم بها؛ فأين من يحلم بغد أفضل في صفوف اليهود والمسلمين في فلسطين، على أرض واحدة لشعبين متآخيين يزيدهم تآخيا تعلّقهم بالسلام والديمقراطية الحقة؟ حتّى يكون ذلك، لا بد أن يحجم من يتاجر بالقضية الفسطينية لأغراض سياسوية عن الإساءة للحق الفلطسيني المشروع الذي لا مناص للحصول عليه؛ ولا يكون ذلك بالصفة الحالية المتمثّلة في رفض الطرف الثاني في النزاع والذي لا بد منه لإحلال السلام.
فبما أنه الأقوى وأنه أصبح مجرما، لا بد من العمل على إيقاف إجرامه بالكف عن تطبيق لعبته الأفضل، وهي في التشجيع على مقاطعة دولته. تلك استرتيجيته التي نقوّيه بها عوض تقوية من يناهضه ممن يؤمن من اليهود بالحق الفلسطيني ويسعى حقا للسلام؛ فهؤلاء غير منعدمين في المجتمع الإسرائيليي، إلا أن خور سياستنا الحالي يجعلهم لا حول لهم سياسيا ولا قوة.
نشرت على موقع أنباء تونس