حديث الجمعة: من أجل تنمية مظاهر الحب بشوارعنا
لا زلنا في الشهر الأول من السنة الجديدة، التي هي مسيحية لا إدارية فقط؛ فلم لا نقول الأشياء كما هي؟ وبما أننا لا زلنا نتبادل في هذا الشهر التهاني بسنة طيبة والأماني بكسبٍ خيّرٍ،؛ فلم لا نعمل حقيقةً ليكون العام أفضل من سابقيه في تحقيق العودة إلى أخلاقنا الإسلامية الصحيحة؟ وهلاّ يكون ذلك بأفضل ما في الإسلام: مشاعر الحب لله النافية لمشاعر الكراهة للعباد والحاثّة على إحياء الحب بينهم!
حبّ الله هو الحبّ بلا كراهية:
سُئلت رابعة العدوية: «أتحبّين الله تعالى؟» قالت : «نعم أحبّه حقا»، وسٍُئلت: «وهل تكرهين الشيطان؟» فقالت: «إن حبّي لله قد منعني من الاشتغال بكراهية الشيطان». هي ذي المتيّمة الصوفية بالحب الإلهي تبيّن حقيقة الإسلام، لا ما يتاجر به الناس؛ فالإسلام اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو الحب! لنتعلّق به إذن ببلادنا بتنمية مظاهره ورعايتها في كل مكان، وبالشوارع خاصة، إذ كثرت المفاسد لانعدام مظاهر الحب بين الناس!
لتكن مساجدنا ساحات لحب المسلم لأخته المسلمة بتحقيق المساواة التامة بينهما في بيت الصلاة؛ ولتصلّ المسلمة بجانب المسلم في الصفوف الأولى؛ فلا فرق بين المسلم والمسلمة إلا بالتقوى! ولتعتل المسلمة المنابر، حتى تكون لنا أئمة نسوة، ومفتيات! ألم يرفع الله من قيمة المرأة، أي إعلاء، فكيف ننزل بها إلى أسفل السافلين؟ أليس الدين العدل، وهو في إعلاء قيمة المرأة كما فعل دينها؟
ثم ماذا نتظر في تحقيق المساوارة في الإرث وإبطال القوانين المخزية المجرّمة للقبلة في الأماكن العمومية والجنس باسم الأخلاق الحميدة؟ فهذه الأخلاق تتجلّى حقّا في مشاعر الحب بين كل المحبّين دون أي تمييز؛ وهي من حب الله، وهو الحب بلا كراهية لعباده !
كراهة الناس هي الكراهة للخالق:
خلق الله العباد أنماطا وأصنافا، جاعلا منهم التقي والفاجر، إذ لو أراد غير ذلك لقال له كن ليكون؛ فمن هم هؤلاء الذين يدّعون معرفة الإسلام للقيام أو الدعوة للقيام بما لم يقم به الخالق ولم يسمح به لأحد؟ هم، في الحقيقة، من الطواغيت التي هدمها الدين الحنيف!
إن حق الخطأ في الإسلام مضمون، فلا إكراه في الدين على أي شيء؛ وليس للمؤمن الحق في الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر إلا بإعطاء المثل الأسنى بالحرص على أن يكون في تصرّفه محترما لغيره أيا كان تصرّفه، يغض النظر إن لم يعجبه. هذا هو الإسلام، إذ ليس فيه لا كهنة ولا بيعة، لا قساوسة ولا كنيسة.
العلاقة في الإسلام بين الله وعبده، تقيّا كان أو فاجرا، هي علاقة مباشرة؛ فليس إلا لله الإحسان لعبده أو عقابه. أما من يسمح لنفسه الحلول محل الله فهو لا يأخذ بالإسلام، إنما يعمل بما رسب فيه من اليهودية والمسيحية، حيث الكهنوت والحاخامات؛ وفي أفضل حال هو من الشيعة الذين يعملون بولاية الفقية. كل هذا ليس من الإسلام الصحيح، وليس هو الدين الإسلامي التونسي، حيث يحب المسلم المسلمة والمسلم، فلا يستحي في إظهار حبه لهما، لأن الحب أسمى مظاهر النية الحسنة؛ وهي من دين القيّمة الذي لا حياء فيه!
رعاية مظاهر الحب في شوارعنا !
لقد حان الوقت لإعادة رونقه للإسلام وقد شوّهه أهله قبل أعدائه؛ ولا يكون هذا إلا بالجرأة على الاجتهاد من جديد في كل ما فسد فيه. فلم يعد المجال لإبقاء الفقه الحالي على حاله وقد أصبح قانون الدواعش ومطية الإجرام. إنه من واجب السلط التونسية فتح باب الاجتهاد من جديد بالشروع دون تأخير في تغيير القوانين التي تدّعي الصبغة الإسلامية بينما هي تفسد الدين وتهدمه؛ ومنها ما ذكرنا بخصوص الإرث والعلاقات بين الجنسين والأخلاق.
وبما أن أفضل الدواء هو ما مفعوله مرئي، لا يخفى حتى وإن كان مجرّد علاجٍ بديلٍ من قبيل ما ليس بالدواء الكيمياوي، فمن المتحتم الحرص على تنقية ما في حياتنا من نفاق وتزمت والتشجيع على مظاهر الحب ومشاعر الود بين الناس في الأماكن العمومية. لذلك يتحتّم إبطال النصوص غير القانونية الخاصة بالحقوق العاطفية بترشيد فهمنا للأخلاق الحميدة.
إن الحب ومظاهر الحب لمن الأخلاق الحميدة، لذا لا بد من القبول بإظهار العواطف علنا وتشجيع تجلياتها بين التونسيين في شوارعنا. فبالقبلة على الخد والفم بين الناس نُحي فيهم دون أدنى شك أفضل المشاعر، مشاعر الحب؛ وتلك تقوى اليوم في زمن أصبح الدين ينمّي الكراهية والحقد والإجرام. الإسلام التونسي اليوم بحاجة إلى قوانين تحمي الناس من الكراهية والبغضاء، وليس أفضل من الحب لذلك. فلنعمل على تنمية مظاهر عاطفة الحب بتونس، أرض الإسلام أي الحب والسلام! فكما أن الله حبّ، ليكن إيماننا به حبّنا له كحبّنا لعباده، أيا كانت تصرفاتهم ما دام فيها الاحترام للغيرية.
نشرت على موقع أنباء تونس