حديث الجمعة: تبرئة الإسلام من تجريم المثلية
خلافا لما يُعتقد، ليست المثلية حراما في الإسلام، إذ لا حكم في القرآن ولا حديث في السنة الصحيحة فيها؛ إنما الجريمة من استنباط الفقهاء قياسا على الزنى. لذا وجبت اليوم تبرءة الإسلام من تجريم المثلية بما أن اجتهاد الفقهاء هذا يشوّه ديننا السمح الإناسي.
المثلية أو اللواط طبيعة في بعض البشر، تماما مثل لون البشرة والعينين، وغير ذلك مما لا خيار فيه للعبد؛ فهي إرادة من الله في خلقه. وهذا الجنس الطبيعي معروف منذ الأزل، حتى أن منه الأثر في ما وقع لنا من تراث الفرعنة؛ فهو ما كان مجرّما قبل أن تأتي بالتحريم اليهودية والمسيحية، إذ التوارة والإنجيل جرّما صراحة هذا الجنس الطبيعي. أما الإسلام، لإن ذكّر القرآن بما سبقه مما عُدّ جزافا فاحشة، فإنه لم يأت بحكم في الغرض؛ ذلك أنه دين الفطرة، والمثلية منها، نجدها في الطبيعة حيث الجنس الأكثر انتشارا هو الجنس الثنائي الذي لا يفرّق بين الذكر والأنثى كما أثبته العلم وبيّنته الممارسات الجنسية في الشعوب طالما لم تمنعها من ذلك قوانين جائرة باسم أخلاق كاذبة، فاسدة .
مناهضة المثلية في الإسلام من تعاليم اليهودية والمسيحية:
الجنس العربي كان تماما كما هو في الطبيعة، وبقي على حاله في الإسلام، إذ كانت حضارته الأوفر احتراما للجنس المثلي؛ فلكم تغنى الأدباء العرب، بل والفقهاء المسلمين، بهذا الجنس رغم شذوذه في الوقت الذي كان الغرب يقتل المثليين، كما يفعل المسلمون اليوم اقتيادا به دون دراية.
ولم تتغيّر الأمور في بلاد الإسلام إلا بعد ركود حضارته تحت نير الإمبريالية التي أتت بقوانينها اليهودية المسيحية، ففرضتها على بلاد الإسلام. لذا، المسلم اليوم الذي يدّعي احترام دينه في مناهضة المثلية ينقض في الحقيقة تعاليم الإسلام لأنه لا يطبّق في الغرض إلا ما ورد في اليهودية والنصرانية المتغلغلة في دينه تحت مسمّى الإسرائيليات. تلك هي الحال بتونس، إذ الفصل 230 من قانونها الجنائي هو من مخلّفات الاحتلال الفرنسي؛ مع العلم أن تجريم المثلية لم يقع رفعه تماما بفرنسا إلا في بداية الثمانينات من القرن الماضي.
أما طيلة تواجد المحتل ببلادنا وقبله، فكانت ممارسة الجنس المثلي بالمجتمع التونسي عادية، مقبولة، ليست لها التداعيات الجزائية المخزية التي لها اليوم. ولم يبدأ الإشكال في قبول المثلية بتونس إلا مع الاحتلال ودخول المجلة الجزائية حيز التنفيذ بفصلها الجائر المذكور أعلاه الذي أنزل الجنس المثلي بخانة المحرّمات، مما مرّر تصرّفات المجتمع من العلن إلى الخفاء، فجرّ المصائب والجرائم التي أصبحنا نعاني منها باسم الإسلام وهو منها براء. من ذلك تفشّي ظاهرة كراهة المثلي بمجتمعنا المتسامح بينما لم تكن معروفة؛ كما أصبح التونسي يداهن في حياته اليومية، لا كراهة في المثلية، بل خوفا من عنف المتزمّتين وقمع السلطات.
الجنس التونسي ثنائي، كما هو في الطبيعة:
الجنس المثلي بتونس هو جزء لا يُستهان به من الحياة الجنسية لشعبها التي بقيت على ما هي في الطبيعة، أي ثنائية، لا تفرّق بين الذكر رالأنثى في شبقية لا حدود لها، تأخذ بالجنس ككل دون تجنيس، أي بصفة تمامية holiste.
هذه الثنائية الجنسية متواجدة إلى اليوم في مجتمعنا، إلا أن القانون المخزي يجبرها على التخفّى؛ بل هي من أفصح ما يلخّص لعبة الأنا jeu du je في الشخصية العربية، أي نزعة الهروب من عيون الغير، وحتى عن النفس في نفس الوقت، في نفاق تفرضه، لا العادات الأصلية الأصيلة المعتادة، بل كما أصبحت عليه من حالة مزرية هي نتاج قوانين جائرة وحاكم مستبدّ وفهم مغلوط للدين.
إن الجنس في المجتمع التونسي ليس إلا إيروشبقية érosensualité، أي هذا الخليط من غريزة الحب أو الإيروتيكية érotisme وحسية أو شبقية sensualité اللتان تميّزان نفسية التونسي وحياته الاجتماعية. ذلك ما تبيّنه آخر الدراسات السوسيولوجية المتجذّرة في الواقع المعيش التونسي* دون الاسقاطات المعهودة ، سواء القديمة من المستشرقين والمتغرّبين، أو الحديثة من أهل التزمت، غربيا كان، وهو التزمّت المدني، أو شرقيا، أي التزمت الديني.
لذا وجبت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تبرئة الإسلام من تجريم المثلية، إذ من شأنها، علاوة على إعادة اعتباره للدين القيّم الذي شوّهه أهله قبل أعداؤه، احترام نفسية التونسي السمحة المتسامحة، لا فقط في تفتّحها الأنطولوجي على الغير، بل وأيضا في أخذها بالغيرية دون مركّبات، وقبول الآخر المختلف أيا كان وأيا كانت طباعه ومشاربه.
* راجع مثلا، في الغرض، دراستي: الإيروشبقية العربية. سوسيولوجية الليبيدو المغاربية، الواقع التونسي أنموذجا.
نشرت على موقع أنباء تونس