مقاومة التلوث السمعي بترشيد استعمال مضخمات الصوت على المآذن
ليس استعمال مضخمات الصوت على المآذن من الدين، بل من التظاهر به؛ فهل استعملها المسلمون الأوائل للآذان؟ إنها اليوم من التلوث السمعي خاصة لعلو صوتها وتكرار استعمالها بمناسبة وبغير مناسبة، إذ يستعملها بعض أهل الرياء في غير الآذان للصلاة.
لذا، أصبح من الواجب، حمايةً للدين من هذا المسخ الذي لا ينفك يطاله، من التذكير بما يجب للآذان للصلاة ومبادىء الإسلام الأساسية التي تمنع التظاهر بالدين وتفرض الحرص على عدم الإضرار بالغير. فاستعمال المضخمات أصبح مضرة لا خير فيها إلا تقوى مخادعة. وهذا يفرض إما عدم استعمالها أو على الأقل تقنين استعمالها.
المستحسن والمكروه في الآذان :
الآذان أساسا هو الدعوة رسميا للصلاة، لا التذكير بوقته، إذ هذا ما يعرفه بداهة كل من يأتي للصلاة بالمسجد. طبعا، لقائل أن يقول أن لكل مسجد وقته للصلاة وعليه الإعلان عنه؛ وهذا لم يعد من الآذان، بل من الإشعار؛ وليس هو من الدين. فلكل مسجد من اعتاد الصلاة فيه، وهو يعلم ضرورة عاداته بخصوصو أوقات الصلاة، فلا حاجة له بإشعار الآذان.
فليس أفضل من الأصالة في الإسلام والبقاء على السليقة، وذلك لتنمية الأفضل في الذات البشرية بالعمل المتواصل على تزكية النفس دون آليات كذوب. فالأصالة في الآذان هي اعتماد الصوت البشري كما كان الحال منذ بداية هذا الدين السمح.
أما وقد أصبح مضخم الصوت من عاداتنا، رياء غالبا لا أخذا بالصحيح دينا ، فلنقل أولا أن هذا ليس من المستحسن، إذ علينا الالتزام بسنة السلف الصالح. فإن امتنعنا عن اتباع سنّة سيد الآنام، فلنحرص على الانتهاء عن المكروه فيه على الأقل!
من المكروه في الآذان، عند استعمال مضخمات الصوت، إقلاق راحة من لا يصلي، أيّا كان سبب ذلك، فالأمر بينه وبين خالقه. مع العلم أن من بين من لا يصلي الصغير والمريض ومن يعمل ليلا، واجبه النوم صباحا. من المتحتم شرعا إذن، إذا أردنا الأخذ بالدين القيم حسب أصوله ومقاصده السنية، الامتناع عن استعمال مكبرات الصوت للآذان لصلاة الفجر. أما بالنسبة لبقية الصلاة، فالأفضل عدم إعلاء وتيرة البث حتى لا تختلط مع الضوضاء والغوغاء، إذ للآذان حرمة لا تقيمها حقا إلا ساحة المسجد ومحيطه المباشر، حيث للآذان أن يُسمع فلا ننقص من قدره.
ومن المكروه، إن لم يكن من المندوب، الامتناع عن إذاعة القرآن بهذه المضخمات؛ فترتيل الفرقان ليس غناء أو شعارات تردد؛ إنه كلام الله الذي لا بد من الإنصات له والاعتبار بحكمته، مما يتطلب الوقار والتملي والتمعن؛ ولا يمكن ذلك بمضخمات الصوت، إذ لا حاجة لها لمن كان بالمسجد، إذ من شأنها أن تفسد تركيزه على النص القرآني.
المثال الجزائري :
تجاهلت السلط الجزائرية طويلا مطالب نشطاء المجتمع المدني، خاصة منذ سنة 2015، للعمل على الحد من الاستعمال العشوائى لمكبرات الصوت بالمساجد، خاصة بالأحياء الشعبية والمطالبة بتخفيض صوت الآذان ليلا. لذلك تركت الحرية كاملة وبلا ضوابط للأئمة والمؤذنين في اختيار وصلات الصوت لأداء الآذان ومستوى بثها بالمكبرات. إلا أنها تجرّأت أخيرا، في أفريل الماضي، بأن قرّرت منع الاستعمال المفرط لمضخمات الصوت.
فبقرار حكومي صدر أخيرا بالجريدة الرسمية، بيّنت كيفية الآذان وصيغته بتحسين صوت المكبرات «بشكل يحصل به السماع دون إفراط». ومما قرره الأمر الالتزام برفع «الآذان لصلاة الفجر نصف ساعة قبل رفع الأذان الثاني»، مما يعني عدم تعدد الآذان لصلاة الصبح مرة واحدة، الشيء الذي يخلق ضوضاء تقلق راحة النائم مما له حق وواجب النوم، كالصغير والمريض والعامل ليلا الذي يبدأ راحته فجرا.
ومن ميزات القرار الجزائري أنه يضبط كيفية الآذان بالتصدي لصفته المتزمتة الطاغية اليوم بأغلب مساجد البلاد وذلك بالعودة لأصول المذهب المالكي، وهو مذهب البلاد الرسمي. مثال هذا أن يكون التكبير في بداية الآذان بالتثنية وليس رباعيًا كما يفعل اليوم العديد من المؤذنين السلفيين؛ أو ألا تُذكر العبارة «قد قامت الصلاة» إلا مرة واحدة عوض مرتين كما يحدث اليوم. يبيّن القرار أيضا أنه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تصدر لاحقا بطاقة فنية تحدد الضوابط التقنية لجمالية الأذان وذلك باعتماد علم المقامات الموسيقية الذي يبيّن اختلاف الموازين النغمية للكلام ومخارج الحروف حسب الثقافات.
وإن لم يحدّد القرار الدرجة التي يمكن أن توصف ببلوغ الإفراط في رفع الصوت ليحصل «السماع دون إفراط»، فهذا يؤشر لصدور مقرر وزاري آخر يبيّن البطاقة الفنية الواجب احترامها. كما أنه لم يتعرض لاستعمال المكبرات لغير الآذان أي إذاعة القرآن، ولعله ينوي التوجه لمنع ذلك بقوله أنه «لا يجوز رفع آذان صلاة الجمعة والصلوات الخمس قبل دخول الوقت الشرعي وفقاً للرزنامة الرسمية للمواقيت الشرعية المعدة من طرف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف».
نشرت على موقع أنباء تونس