ليست الدعوة لتأجيل الانتخابات البلدية مجرد مناورة سياسية؛ إنها أفضل فهم لفقه القانون وخير التطبيق لدولته.
عبّر أخيرا السيد نور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة، عن رفضه لتأجيل الانتخابات البلدية بتعلّة وجود اطراف خارجية لإحداث البلبلة. مع العلم أنه هو الذي يطالب بإبطال مجانية التعليم، وهو من أهم ما يطالب به رأس المال الأجنبي؛ لذا، نجيب السيد البحيري: من الذي يخدم أجندة خارجية لتخريب البلاد ؟
تأجيل الانتخابات ضرورة متأكدة:
هذا، ويبدو أن النية تتوجه أخيرا نحو تأجيل انعقاد الانتخابات البلدية؛ وهو من الحكمة بمكان، إذ ليس المهم الانتخابات بل الفائدة المرجوة منها.
فانعقاد الانتخابات في الأجل المعلن عنه، أي منتصف ديسمبر، لا خير فيه، إذ يتم في مناخ سياسي واجتماعي غير ملائم، وظروف لا خير فيها، لا تشجع على المشاركة، خاصة وقد رأينا نسبة التسجيل الضئيلة على القوائم الانتخابية.
ثم هي تأتي ولمّا يتم بعد المصادقة على مجلة الجماعات المحلية، أي أن الانتخاب يتم حسب القانون القديم؛ فأي خير يُرجى من هذا؟
وبعد، وذاك أهم شيء، لو وقعت الانتخابات هذه السنة، أي والبلاد لا زالت ترزح تحت قوانين العهد البائد، وهي مخالفة للدستور، أي فضل يكون لها على الديمقراطية التي نبتغيها للبلاد؟ هل من المعقول ألا نبدأ أولا وقبل كل شيء بما تأخرنا فيه، أي تفعيل الحقوق والحريات التي أتى بها الدستور؟
من المنطقي أن يتم هذا قبل تمكين البلديات والجماعات المحلية من نفوذ يكون عندها غير شرعي، بما أنه يعتمد على قوانين العهد البائد. وإن ذلك لأفضل الوسلية لاسشتراء الفساد حتى يعم البلاد كاملة، مشوّها ما لم يطاله فيها بعد.
تأجيل الانتخابات خدمة لدولة القانون:
إننا لم نقم بعد بإبطال القوانين المخزية المخالفة للدستور، رغم سهولة العملية، إذ تتم بالبرلمان دون توزيع السلطة والنفوذ الذي تأتي به الانتخابات البلدية؛ وإننا طالما لم نقم بتلك المهمة المتحتمة، نجعل البلاد تدخل دوامة أكبر من الخراب.
ذلك لأن السلط البلدية المنتخبة من شأنها عندها، أي بقوانين العهد البائد، أن تمنع الإسراع بتحيينها للتمتع بها، مما سيزيد في استفحال الإفساد والظلم القائمين اليوم على منطق هذه القوانين القديمة رغم أنها أصبحت لاغية بمقتضى الدستور.
لهذا نرى البعض ممن لا يهمه إلا مصلحة حزبه الضيقة يسعى جاهدا لانعقاد الانتخابات اليوم لأنه يعمل دون هوادة على منع إصلاح المنظومة القانونية، بما أن فسادها يخدم مآربه الخاصة.
لذلك، وخدمة لدولة القانون، من المتحتم تأجيل الانتخابات البلدية والسعي قبل عقدها، إضافة إلى المصادقة على قانون البلديات الجديد، في الشروع دون لأي ولا تردد ولا تأخير في إلغاء كل القوانين المخالفة للدستور.
فالأمر ليس بالسهل ولا الهيّن ما دمنا لم نقدر بعد على البسيط منه، كإبطال مناشير باطلة رغم الدعوة لها والعزم عليها، كالمنشور الذي يمنع زواج المسلمة بغير المسلم. وغيرها لكثير!