العبث بالدين وبالقانون في حق زواج التونسية بغير المسلم
إن تكريس حق زواج التونسية بغير المسلم لهو الفهم الصحيح للدين وللقانون، وغير ذلك من العبث الصبياني بهما.
تهافت رأي أصحاب الرأي:
يرى بعضهم، كما ذكّر به الأستاذ أسعد جمعة في مقالته المنشورة هنا،* رغم تثمينه للتوجه الحالي، أن المنشور الأخير ليس في مأمن من الطّعن تماما كما هي الحال لشرعية عقود الزواج. فيذكر، بخصوص المنشور، قيمته الوضيعة في سلم النصوص القانونية. ثم يذكّر بأن الفصل الخامس من مجلّة الأحوال الشّخصيّة ينصّ على وجوب خلوّ الزّوجين من الموانع الشّرعيّة، محيلا على الشّريعة الإسلاميّة، إذ يصرف تعبير «الشرعية» إلى المعنى الفقهي.
ومع التذكير أن المنع لا يعتمد على النص القرآني بل على أحكام الفقهاء، يرى أنها تمنع ذلك الزواج. ثم يخلص إلى القول أن حرّيّة المعتقد والضّمير بالفصل السّادس من الدّستور تعارض الفصل الأوّل منه في أن الدّولة التّونسيّة دينها الإسلام، وأيضا السّادس نفسه الذي يفرض على الدّولة مهمّة رعاية الدّين، فهذا يمنع المشرّع التّونسيّ، حسب زعم البعض، من إصدار قوانين أو نصوص ترتيبيّة مناقضة للشّريعة الإسلاميّة.
العبث بالدين :
إن ادعاء منع الإسلام لزواج التونسية من غير المسلم من باب الافتراء على الدين، إذ هو فعلا من اجتهاد فقهاء لزمنهم، لا يقيّد في شيء زمننا. فكل اجتهاد بشري يبقى ناقصا بالضرورة للنقص الملازم للطبيعة البشرية. أما الذي لا يتغيّر فهو نص الدين، لا في حرفه، إذ فهمه يتناغم مع عصره لتماهي الإسلام مع مقتضيات كل عصر، بل في مقاصده التي هي وحدها آزلية، صالحة لكل زمان ومكان. ما هي مقاصد الشريعة في الموضوع؟ إنها في مصلحة العبد وفي العدل بين الناس. والعدل ألا نرفض حق التونسية في الزواج بمن تريد؛ ومصلحة العبد في احترام تمام حريته في كل ما يخص حياته الشخصية.
الاجتهاد الفقهي المحرّم لزواج المسلمة بغير المسلم لا يستند على روح الإسلام السنية كما هي في مقاصده المذكورة، إذ هو يسحب ما ثبت في اليهودية؛ فهل نأخذ في تونس بالتوراة أم بالقرآن؟ نحن نعلم مدى تغلغل الإسرائيليات في الإسلام عبر التاريخ، وذلك لكون أغلب حملة العلم من الموالي، أي ممن كان مخيالهم مشبعا يهودية ونصرانية. فكفانا اعتمادا على الكتاب المقدس في فهم دين الإسلام الذي جاء مصححا لما فسد؛ هذا ما نفعل بتونس.
العبث بالقانون :
القانون التونسي وضعي لا يشير للتعاليم الدينية إلا كمرجع يستلهم منه أحكامه بخصوص البلاد التي الإسلام دين غالبية شعبها. لكن القانون للجميع، فلا يأخذ حتما بالإسلام، بل بكل ما يتناسب مع حقوق المواطنة. لذا، الإحالة على الموانع الشرعية في نصه لا تعني بتاتا الشرع بالمعني الفقهي، بل بالمعني العربي التقني الصحيح، وهو القانون الوضعي. هذا ما رأته محكمة التعقيب وأقرته وما رآه عُظم أهل الفكر والقانون؛ وهذا ما تفرضه المنظومة القانونية العالمية التي بلادنا تدين بها؛ كما هي الحال اليوم بالنسبة للدستور.
ليس من الصحيح إذن القول بأن ما قام به رئيس الحكومة غير قانوني. إنه غالبا كلام من لا يريد خيرا لهذه البلد باسم الدين بينما ينسفه من أساسه بفهم هو من الإسرائيليات. ذلك لأنه يبتغى منع تحيين المظومة القانونية بربطها ضرورة بتغيير القوانين، ما من شأنه، لا تعطيلها فقط، بل منعها لما رأينا في البرلمان من رفض للعدل باسم دين هو العدل أساسا.
مع العلم أن القوانين تكون أحيانا غير عادلة لغاية سياسوية؛ هي عندها باطلة رغم أن الباطل يفرض نفسه بشوكة السياسة، مما يفرض تدخّل الأخلاق؛ وهذا دور الإسلام.
الإصلاح بالأوامر والمناشير:
لذا، نقول إن رئيس الحكومة أصاب في استعمال وسيلة المنشور للخروج من وضع كان فيه الضرر الفادح لا لحقوق الناس فحسب، بل وأيضا لدين تنويري أصبح ظلاميا. ونحن نهيب به للمواصلة في هذا الكسب لتونس ولدينها الصحيح بإبطال كل ما فسد عندنا من نصوص غير قانونية لها مفعول القانون وذلك بمجرد منشور أو بأمر وزاري حتى يتخطي عقبة البرلمان.
مثلا أن يمنع الفحص الشرجي بالبلاد التونسية الذي فيه الإساءة العظمى لصورة تونس في الخارج والهضم الصارخ لحقوق الأبرياء إضافة للتشويه للدين الذي ما جرّم وما حرّم المثلية؛ ثم هو منع التنقيب في القلب، فكيف نفعل ذلك في شرج الناس لنحكم عليهم إما لفعل هو من فطرة بعض البشر إن قبلوا بالفحص، أو بالظنة، بينما لا حكم بالظنة في ديننا.
نهيب به أيضا أن يطرح من قائمة المخدرات الزطلة التي ليس مكانها معها، وإلا لزم إدخال التبغ إلى هذه القائمة إذ ثبت أن مضرّته أكبر. فالتنقيح الأخير للقانون عدد 52 المخري لا يلغي جريمة استهلاك ما ليس بمخدر حقيقة؛ فهذا لا يمنع من مقاضاة الأبرياء وإن مكّنهم من الخلاص من السجن.
ونهيب به أخيرا الإسراع في إبطال ما ليس له صفة قانونية بالمرة لعدم النشر، ورغم ذلك يقع تطبيقه من طرف سلطات البلاد : المنشوران المؤرخان في سنة 1986 و1989 اللذان يمنعان بيع الخمر للتونسيين يوم الجمعة وفي رمضان والأعياد.
نشرت على موقع أنباء تونس