حديث الجمعة: المسكوت عنه في عيد الأضحى
الإسلام كلمة السواء في كل شيء، إذ هو الحق الذي يُقال حتى على النفس؛ فما هي كلمة السواء في عيد الأضحى الذي أصبح عيد تجارة الخروف لا شعيرة من شعائر الدين؟
ما من شك أن حال الإسلام اليوم تعيسة مع الذي يحدث باسمه في العالم، وهذه الجاهلية الداعشية تشوّه الشريعة الإسلامية بالقتل والتنكيل، بينما تتحكم هرطقة وهابية في الأراضي المقدّسة وقد أدانها أهل السنة والجماعة. أي خلط فاحش هذا بين الدين والسياسة؟
إلى متى لا نُحي الإسلام الصحيح؟
كيف يسكت المسلم النزيه عن خطر الغربة الذي يتهدّد الإسلام إذا لم يتجدد على رأس كل قرن حسب الحديث الشريف؟ إننا لنعجل بها بتصرفاتنا وسكوتنا عن الإصداح بضرورة الاجتهاد من جديد في ديننا لتثوير معانيه في كل ميادين المعاملات، وهي من اختصاص البشر؛ فهل نُعدم لذلك عقلا وذكاء؟ كيف لدين أعلى من شأن العقل أي إعلاءٍ البقاء على الحال التي أوصلها إليه عقل السلف وقد اجتهد وأصاب لعصره، حسب مقتضياته؟
إن من يتمسك بحال الشريعة كما هي اليوم، وقد غدت السلاح الفتاك بأيدي أعداء الإسلام كالسلاح الأبيض يُستعمل في غير مجاله، ليعمل على نقض صرح الدين من أساسه بتجاهله واجب الاجتهاد. هؤلاء كمن قالوا «حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا» (المائدة 104)؛ فلا مناص اليوم من التصدّي لهم بإعادة فتح الاجتهاد وتحيين الفقه الإسلامي الموروث.
وهذا لا يكون إلا من أولي الأمر، خاصة من يدّّعي المرجعية الإسلامية، صاحب السلطان السياسي، فهو من أوكد واجبات السلطة التي بيدها زمام الأمر؛ «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد: 11). يكون ذلك على الأقل بالتذكير بالبعض من الحقائق التي نتجاهلها اليوم، إذ تلك كلمة السواء. وهي اليوم في هذه العادات التي طغت في الإسلام باسم الدين وليست منه، فغدت أصناما معنوية نعبدها؛ ألم يحن الوقت لهدمها بعد؟
ما يجب قوله في عيد الأضحى:
العيد الذي نحتفل به اليوم أصبح مهرجان تجارة الخروف والشواء، لا هذه الشعيرة من شعائر الحج؛ فهو من تلك العادات المفرطة مادية التي درجنا عليها، حوّلت اليوم مدننا إلى زريبة خرفان وبيوتنا إلى مجازر تعلّم الأطفال الذبح؛ وها نحن أولاء نساعد على غسل دماغ أجيال الغد بما ليس صحيحا في الدين، مسهّلين استدراجهم لاحقا من طرف أهل الإجرام!
يقع في هذا العيد، كما تقوله الإحصائيات الرسمية، تبديد ما لا يقل عن أربعة مليون دينار في الأضاحي، علاوة على الضرر الذي يلحق قطيع الماشية؛ فهلا خرج أهل السياسة من صمتهم للتنديد بذلك، فيكفوا عن تشجيع الاحتفاء بعيد الأضحى بالصفة التي هو عليها اليوم، أي هذه التجليات للتخلف، وللحث على الالتزام بما صح من الدين حتى نخرج أخيرا من تخلفنا الذي هو ذهني قبل كل شيء؟
إن ما صح في الإسلام عن عيد الأضحي كونه من شعائر الحج، شعيرة وجوبية لا يصح الحج بدونها؛ وسنّة الرسول في الأضحية إحياءً سنة إبراهيم في نطاق شعائر الحجّ. ثمّ هي إحياء حادثة الذبيح المذكورة بالفرقان. وقد داوم الرسول على هذه الشعيرة مع الحجّ أو توازيا معه، لا كعيد منفصلٍ عن التواجد بمكة، أو مستقلٍ عن أداء الحجّ، كما هي الحال اليوم.
هذا، والقرآن يذكر حادثة الذبيح دون الافصاح عن هويته بسورة الصافات (الآيات، 100 إلى 111).ويأتي الحديث عن الأضحية في السنة الصحيحة، أي ما اتفق عليه الشيخان، كجزء لا يتجزأ من مراسم الحجّ، وليس كعيد مستقل بذاته. إن سنة الرسول، علاوة على التمسك بشعائر الحج، فيها الإحياء لسنة إبراهيم، وهو جد الموحدين، لا الإقرار لعيد خارج الحج. ولا شك أن تسمية يوم النحر ويوم عرفة بيوم الحجّ الأكبر الدليل الأسنى على أنّه لا عيد خارج الحجّ، وبالتالي لا أضحية خارجه أيضا. فالمضحّي يضحّي بما يقدر عليه من الهدي في نطاق الحجّ؛ وليست الأضحية إلاّ من الهدي.
لذا، ما لم يصح عن عيد الأضحى، أن الأضحية واجبة خارج الحرم المكي، وإن كان ذلك في موسم الحج؛ وأن الذبيح هو إسماعيل، لا إسحاق كما وقع في الكتاب المقدس. وقد اعتقد العديد من الصحابة، ومنهم الفاروق، والعديد من الفقهاء ومنهم الطبري، أن الذبيح هو الإبن الشرعي لموسى، أي إسحاق، لا ابنه البكر إسماعيل، إذ كان ابن أمة، ممن لم تكن لهم أي حقوق في ذلك الزمن. وبما أن القرآن لم يفصح عن هوية الذبيح، فهذا يعني أنه قبل بما جاء في التوراة، إذ ديننا يعترف بما سبقه من اليهودية مما لم ينقضه فصححه.
إن العادة التي استقرّت ببلاد الإسلام إلى اليوم هي من باب إحياء سنة إبراهيم الخليل، ولا شيء يمنع هذا في ديننا الحنيف بما أنّه خاتم الأديان. إلاّ أنّه من النزاهة أن يعلم المسلم ذلك، أي أنّه إذ يحيي سنة الخليل، فهو يحي ذكراه مع الذبيح إسحاق. أما إذا أراد إحياء السنة الإسلامية، فيكون هذا في نطاق شعائر الحج وبمكة، إذ فيها فقط يكون عيد الأضحى، لا كما نفعل اليوم خارج شعائر الدين الصحيحة، مما يجعل عيدنا عيد الخروف.
نشرت على موقع أنباء تونس