هل يكفي للغنوشي واجب العزاء تجاه محمد الطالبي؟
راشد الغنوشي سياسيٌ وزعيم أكبر حزب في البلاد؛ لذا واجبه تجاوز الكلام للمرور للفعل؛ إذ تكون بالقول المداهنة، بينما الفعل هو أفضل الدليل على صدق النية.
كما كان منتظرا منه، قام الشيخ راشد الغنوشي بواجب العزاء تجاه فقيد الفكر الحر، المرحوم محد الطالبي؛ لكن هل هذا يكفي عندما لا يتردد أنصار حزب الشيخ، بل وأتباعه، من تكفير الطالبي وشتمه، كأن الإسلام يسمح به في الميّت؟
إيمان الطالبي الصحيح
إن شعب النهضة يكفّر الرجل فيقتله ثانية بكلام فاحش، فيدّعي أن الرحمة لا تجوز على غير المسلم. هذا ما يعتقده في فهمه الأخرق للدين، وهذا ما طالب المرحوم بتصحيحه عاجلا. فالرحمة الإسلامية الصحيحة تجب لكل مؤمن بالله، أيا كان دينه، مسلما كان أو غير مسلم؛ إذ الإيمان والتقوى في القلب لا بالشعائر. أين نحن إذن من الإسلام الصحيح الذي تقمّصه خير تقمّص محمد الطالبي؟
أمثال هؤلاء لا يتبرأ منهم راشد الغنوشي رغم أنهم، في أفضل الحالات، يلومون المرحوم الطالبي على رفضه للسنة رغم مخالفتها للقرآن؛ بينما نعلم جميعا أن أعداء الإسلام والتجّار بتعاليمه السمحة خبطوا خبط عشواء في الأحايدث، متقوّلين على الرسول الكريم، مختلقين الأحاديث المنحولة. فأي مانع إذن، حفظا للدين الحنيف، في عدم الأخذ بما شانه ويشينه، خاصة وأننا علمنا منذ الإمام الشاطبي أنه لا بد من الأخذ بمقاصد الشريعة لفهم الإسلام على حقيقته؛ وإلا فنحن نحلل ما حرّم الله ونحرّم ما حلله.
فالفقه الحالي لم يعد صالحا بتاتا، إذ هو من تركة الإسرائيليات التي داخلت الإسلام منذ نشأة هذا الاجتهاد البشري لحملة العلم الإسلامي الذين كان أغلبهم من الموالي؛ لذا، عمدا أو بغير عمد، شوّهوا الرسالة النبوية بأن قزّموا تعاليمها لتصير متّفقة مع ما وقع في التوراة والإنجيل، بينما القرآن يهيمن عليهما ويصححّهما.
واجب الشهادة في تطوير القانون
كيف إذن يكتفي الشيخ الغنوشي بالتأبين، فيغض النظر عن أقوال أتباعه التي كادت تكون إجراما في حق الميت الجليل، دون الرد عليها؟ فهو سياسي، ولا سياسة بدون فعلٍ وعملٍ. هلا دعا، مثلا، بالأخذ بآراء الفقيد في تحليل الخمرة والاعتراف بالحق في الجنس في الإسلام؟
إن حزب النهضة له من النواب ما يكفي وزيادة لعرض مشاريع قوانينٍ تحرّر البلاد والعباد من الفهم الخاطىء للإسلام، إذ العديد من قوانينيا الجائرة تدّعي المرجعية الإسلامية وليس لها من الإسلام أي نصيب.
ولقد عرضنا سابقا على مكتب كتلة النضهة بمجلس نوّاب الشعب بعض المشاريع في المواضيع الحساسة، فليطلب راشد الغنوشي، إن كان صادقا في تأبينه للفقيد وتحيةً لفكره الثوري، من حزبه الأخذ بالبعض منها، داعيا مثلا لرفع كل النصوص المجحفة المحرّمة للخمرة في الإسلام، إذ لم يأت في ذلك أي تحريم، خلافا لما تهافت من مقولة الفقهاء!
علّق أحد أتباع الغنوشي على تأبينه للمرحوم أنه كان فاسقا، وأن أفكاره النيّرة لم تغيّر في الدين شيئآ. الصحيح إن الفاسق هو العامل على إبقاء الإسلام على حاله، هذه الدعشدة المقيتة. فليس الفقه الحالي من الدين، ولا السنة المخالفة لمقاصد الشريعة، فلا تأمر بالعدل والإحسان؛ والوزر لعلى أكتاف من يرفض العودة إلى الحق، إذ تلك هي الفضيلة الوحيدة. إن الحق اليوم في تحيين فقهنا حتى نخرج من المأزق الحالي للإسلام الداعشي.
هذا واجب السياسي الغنوشي، وهو أهم من واجب العزاء، إذ هو من قولة الحق وكلمة السواء. فهل الإسلام غير هذا؟ لقد عاش الطالبي رجل صدق وهو من شهداء جنان الخلد، المنافحين عن ملة العدل في عالم ظالم يريد بالحق باطلا. فهل راشد الغنوشي ممن يشهد للحق بتونس؟ إذن ليعمل متوكّلا في ذلك على الله وحده!
نشرت على موقع أنباء تونس