فصل الكلام في عودة أهل الجهاد الحرام
هذه كلمة الحقيقة في ثوابت نطمسها جهالة أو دغمائيا، وفي حق يضيّعه أهله قبل أعداؤه؛ فهل من سامع نزيه في هذه البلاد؟
كثر اللغط هذه الأيام حول موضوع عودة الجهاديين إلى تونس، فتحدث ويتحدّث الساسة وأهل الإعلام عن كل شيء إلا ما ينفع الناس من حقائق بالرغم من أن القانون والأخلاق يفرضانها. هذا إذن فصل الكلام في الغرض باسم كلمة الحق التي لا بد أن تقال ولو على النفس!
الكف عن تصريف الحق إلى الباطل :
لا يخفى على أحد أن من قواعد اللعبة السياسية، عندما لا تعدو أن تكون سياسوية، أن يقع تهجين المسائل العويصة بتعقيد الكلام فيها وتمييعه بالتفاهات والأمور الثانوية.
هذا ولا شك ما عرفناه جيدا في تاريخنا العربي الإسلامي؛ فمن لا يدرك أن كلمة الحق يراد بها أيضا الباطل باسم الحق، وأن الباطل غالبا ما ينتصر في نهاية الأمر على الحق ؟
ذلك من بديهيات العمل السياسي عندما تنعدم الأخلاق فيه؛ والحال أدهى في العمل السياسوي. وهذا ما نعيشه اليوم في بلادنا مع موضوع عودة الجهاديين التونسيين.
فالحديث مستفيض في الغرض لا لإنارة الرأي العام، بل لمغالطته، ولا لقول الحقيقة كما هي، بل للتدجيل وتمرير كل ما فسد من السياسة والدين.
الإصداع بالحقيقة عارية :
أولا، يفرض علينا القانون والدين، وهو عدل أو لا يكون، فصل الكلام في الغرض. ولا شك أنه يكون، باديء ذي بدء، في حتمية القول في الموضوع بتحريم الجهاد كما هو معروف اليوم، أي الجهاد الأصغر.
إن قناعتنا وقناعة كل مسلم حقيقي يؤمن بأن الإسلام هو دين الرحمة والتسامح هي في انتهاء الجهاد الأصغر بقيام دولة الإسلام؛ وهاهي اليوم دول! لذا، لا بد من الاصداع بأنه لا جهاد إلا الجهاد الأكبر في الإسلام غير المشوّه بعد دولة المدينة وفتح مكة وما تبعهما من فتوحات لم يكن هدفها إلا تدعيم ركائز الدولة الفتية.
لقد انتهى الجهاد بالسلاح تماما كما انتهت الهجرة، وكل من قال بعكس هذا فقد افترى على دين القيمة الذي جاء رحمة للناس لا نقمة. فهل هناك في الحروب رحمة، أيا كان سببها وهدفها إلا وسخ الدنيا وجنون أهلها السياسية والأيديولوجية ؟
نعم، لقد طغت السياسة في الدين الإسلامي مثذ قيام دولته، فتم توظيف تعاليمه لحرب مقدسة ليس هي من الإسلام في شيء، بل من رواسب اليهودية والمسيحية فيه، كل ما عُرف بالإسرائيليات.
ثانيا، وبعد الكلام المتحتم في هذا، لا بد من التخلص إلى الكلام عن كيفية تواجد التونسيين بساحات الحرب : من أخذ شبيبتنا إلى هناك؟ من غرر بها وهمها كان خدمة دينها فإذا هي في خدمة مصالح دنياوية زائفة؟ من يعمل على إصلاح هذا الغلط الفاحش وعلى من تقع المسـؤولية فيه؟
ألم نسمع نوابا في المجلس التأسيسي، بل وحتى مفكرينو منهم الفلاسفة، ينوّهون بهذا الجهاد الدعي؟ أليس البعض اليوم يتحدّث دون أي يُسمع عن رحلات منظمة انطلاقا من التراب التونسي نحو بؤر التوتر؟ هل هذا من الكلام الذي لا يفرض التحّري والاستقصاء بل وفتح إنابات عدلية؟
ثم، ألم تسارع الحكومة المنبثقة عن أولى الانتخابات التعددية بالبلاد إلى قطع العلاقات مع سوريا ودعم من يحاربها؟ فهل هناك أي صحة في كلام من يربط هذا بالانقلاب الشعبي الذي سُمّي ثورة، ممكّنا صعود الإسلاميين إلى الحكم بهذا الدعم الذي لا يشك فيه أحد اليوم من الغرب الذي كان همّه كان ولا يزال تخطيط سايس بيكو جديدة وقلب بلداننا إلى مجرد أسواق في خدمةرأس ما ل متوحش وجد في الإسلام الداعشي فضل حليف له؟
الخروج من المأزق الفلسطيني :
نعم، هنا ولا شك عقدة القضية الفلسطينية التي هي بمثابة بحق ما يسمّيه الأدب الشعبي عندنا مسمار جحا. إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو الآتي : كيف نعتبر من قام بنفس عمل أنيس العامري بألمانيا في فلسطين شهيدا ؟ فالعمل هو نفسه!
أليس من العدل والنزاهة سحب مسمّى الشهادة عن الإثنين لأنهما قاما في الحالتين بعمل قابيل؟ متى كان قابيل في الدين شهيدا وأين يذهب حق هابيل؟ هذا، ومتى كانت الشهادة في الإسلام غير الإشهاد بالحق، ما يقتضي الحياة لا الموت ؟ هل يتكلم الموتى؟
إن القضية الفلسطينية قضية عدل وقانون دولي غير محترم جراء تعنت الدولة الإسرائيلية مستغلة خور السياسة العربية. بذلك هي بحق هذا المأزق لأهل الإسلام، لأن لا منفعة فيه إلا للمحتل الإسرائيلي الرافض تطبيق القانون الدولي. وهو يقوم بذلك بكل أريحية لأجل رفض البلاد العربية الإسلامية الاعتراف بدولته وتسميتها بالكيان، بينما هي أشد متانة من بعض تلك الدول أنفسها.
لذا، من المتحتم الاعتراف بإسرائيل كدولة، لأن في ذلك التذكير بأن دولتها مرتبطة بقيام دولة فلسطين، إذ هي لها تؤأم شقيق؛ فعدم الاعتراف بإسرائيل حسب القانون الدولي لسنة 1947 لهو االخدمة الفضلى لمصالح الصهيونية التي أقضى أمنيتها بقاء الأمر على حالها.
نشرت على موقع أنباء تونس