الحق في الجنس في الفقه الإسلامي
من المفارقات الغريبة أن الفقه الإسلامي الذي نعمل به إلى اليوم خالف صفوة الصفوة في تعاليم الإسلام السمحة فمسخ ما فيها من إناسة وتعلّق بحرية العبد في تسليمه الأوحد لله.
فلا تسليم لله إلا لأن العبد حر، غير مستكين لأحد غير ربّه؛ كيف إذن نجعل من المسلم هذا المسكين المقيّد الحريات اليوم وندّعى أن ذاك الإسلام؟
نعم، هذا ما نجد في الفقة الإسلامي الذي نعمل به إلى اليوم، إلا أننا علمنا أن حملة العلم في الإسلام كان أغلبهم من الموالي؛ لذا كان جلّ هذا الفقه من الإسرائيليات التي داخلت الإسلام على مر الأعصر فهدمت صرحه، فجعلته متزمتا بعد أن كان حداثة قبل الحداثة الغربية؛ تلك الحداثة التراجعية التي نظّرتُ لها.
حق المتعة في الإسلام
لنأخذ مثالا على ذلك موضوع الجنس في الإسلام. لقد أصبحنا نعمل في هذا الميدان بما جاء به الكتاب المقدس لا الفرقان في العديد من المواضيع مثل اللواط والعري وغيرهما؛ إذ لا إثم في هذه المواضيع إلا في اليهودية والمسيحية، أما الإسلام فما جاء فيهما بتحريم إلا ما اجتهد فيه الفقهاء برأيهم. فمتى بلغ الرأي البشري مستوى الحكمة الربانية؟
إنه لا إثم في دين الإسلام في تعاطي الجنس حسب الطبيعة البشرية، وهي تقر الجنس التمامي؛ ثم إنه لا رهبنة ولا مغالاة في الحنيفية المسلمة في كل شي.
الحياة في العربية وفي الإسلام هي الحيوان، أي هي الطبيعة البشرية التي نجد فيها الشيء الكثير من الحيوانية؛ ولا يميّز ابن آدم عن الحيوان إلا استخدامه لعقله وتحكّمه في شهواته ونوازعه الطبيعية. وطبعا، لا يكون ذلك إلا بالتزام التحكم في النفس وتزكيتها المستدامة؛ هذا هو الجهاد الأكبر، جهاد النفس الأمّارة بالسوء. ولكننا اليوم نترك الجهاد الأكبر للأصغر!
هذا، وبما أن النفس تأمر بالسوء، فهل نقتلها في الإنسان بينما لا حياة له بغيرها؟ أليس القبول بالسوء والعمل على تجاوزه بالمثل الطيب والكسب الحسن هو ما ميّز ويميّز حقيقة دين الإسلام عما سبقه من الملل والنحل؟ فهو العدل مع التوحيد؛ وفي العدل الاحترام التام للفطرة البشرية والذات الإنسانية كما هي؛ يكون ذلك في القبول بالجنس وتعاطيه دون حياء، إذ لا حياء في الدين.
لقد خاصم أعداء الإسلام في القديم الدين القيّم بأن ادّعوا أنه لا يمانع في أن يتمتّع المسلم بما فيه من طباع، بما فيها الجنسية؛ فكان أن ندّدوا بشبقية الرسول الأكرم وقد جاء لإتمام مكارم الأخلاق. ولا شك أنه من مكارم الأخلاق عدم التنكر للطبيعة التي خلقها الله في ابن آدم، بما في ذلك الطبيعة الجنسية، عادية كانت أو شاذة، كأن تكون مثلية في البعض من الناس لا ناقة لهم في ذلك ولا جمل، إذ خلقهم الله كما هم؛ فهل يظلم الله هؤلاء العباد؟ وهاهم نفس الأعداء، وأغلبهم أصبح يدّعي الإسلام، يندّدون بما كانوا يعدّونة خاصية فيه، أي تمام الحرية الجنسية.
الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الإسلام أقر حق المؤمن في الجنس تماما كما جعله الله فيه؛ بل إن الإسلام ذهب إلى أنه أوجد الجنس بكل أنواعه في الجنة. ففيها الحور العين للجنس الغالب، كما فيها الولدان والغلمان المخلدون لمن خلقه الله مثلي الجنس.
نعم، ليس هذا ما يقوله اليوم الفقهاء ولا الفقه الإسلامي الذي وصلنا، إلا أنه ثبتت الآن نزعة الإسرائيليات التي تميّزه؛ لذلك لم يأخذ هذا الفقه بأقوال جلّة من الفقهاء الذين قالوا ما قلناه، ومنهم ليس فحسب العديد من شيوخ الصوفية، بل وأيضا البعض من جهابذة علماء السنة كالإمام الجليل الطبري الذي لا يمانع في أن الولدان هم الذكران من الحور العين .
وطبعا، إذ وجد حق الجنس في الجنة، فهو أولى في الحياة الدنيا. إذ ليس هناك أي شك عند السلف الصالح من أن حق المتعة مما ميّز تصرّف المسلمين في عهد الرسول الكريم. فالبخاري، مثلا، يخصص بابا كاملة من صحيحه للتمتّع على عهد الرسول وهو الباب 36 من كتاب الحج. أما مسلم، فهو يخصص له بابا سمّاه جواز التمتع وهي متعة النساء.
نعم، إنها متعة النساء، وقد عرفها الصحابة في عهد الرسول حتى رفعها من الإسلام الخليفة الثاني، الذي حرّم أيضا جواز المتعة، وهو المعروف المعمول به إلى اليوم، لا عند الشيعة فقط، بل وأيضا بالحجاز تحت مسمّى المسبار.
كان كل هذا في زمن لم يكن للبشر أحقية في الجنس، فما بالك اليوم وقد بيّن العلم ضرورته في التوازن البشري وصفته التمامية في الطبيعة؟ أليس هو الدليل على كونية دين الإسلام وإناسته؟
طبيعة الجنس في الجنة
لا شك أن أكبر الدليل على ما سبق ما يقوله الفقه نفسه عن الجنس في الجنة. طبعا، هو لا يتكلم إلا عن الجنس العادي، لكن ليس هناك ما يمنع قياسا سحب الكلام على كل جنس، خاصة وأن العلم بيّن أن الجنس المثلي في الطبيعة؛ وقد علمنا أن الإسلام علمي التعاليم، ولا يناهض الفطرة البشرية والطبيعة فيها.
مما يُروى عن طبيعة الجنس في الجنة أن عبد بن حميد وابن جرير في تفسيره وابن المنذر عن عبد الله بن مسعود قالوا في تأويل قوله تعالى «إن أصحاب الجنة في شغل فاكهون» : شغلهم هذا هو افتضاض العذارى. كما أخرج أبو نعيم في «صفة الجنة» عن أبي مجلز قال : قلت لابن عباس: قول الله عز وجل «إن أصحاب الجنة في شغل فاكهون» ما شغلهم؟ قال : «افتضاض الأبكار».
كذلك ما رُوي عن الرسول الأكرم أن رجال الجنة ونساءها لا يملّون من اتصال النكاح فيما بينهم أبدا كما لا تنقطع شهوتهم بتاتا. فلقد أخرج البزار مثلا عن أبي هريرة عن رسول الله (صلعم) أنه سُئل: هل يمس أهل الجنة أزواجهم ؟ قال : «نعم بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع».
ومما يُذكر أيضا أن المؤمن من أهل الجنة يُعطى قوة مائة رجل في النكاح. فقد أخرج الحافظ أبو نعيم أيضا في «صفة الجنة» عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله (صلعم) : «للمؤمن في الجنة ثلاث وسبعون زوجة». فقلنا : يا رسول الله، أوله قوة ذلك؟ قال : «إنه ليُعطى قوّة مائة».
وذلك يؤكد قول الإمام أحمد في المسند عن زيد بن أرقم إذ قال : قال رسول الله (صلعم) : «إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع»
طبعا، لا يخص هذا الكلام الرجال فقط، إذ لا فرق قي الإسلام الصحيح بين الرجل والمرأة؛ كما لا يجب أن يخص هذا مجرّد الجنس الشائع وإلا انعدم العدل في الإسلام، إذ لا يمكن حرمان من جنسه شاذ من حقه في المتعة واللذة كغيره من البشر ما دام دخل الجنة بتقواه في الدنيا. وبديهي أن التقوى ليست محصورة على من جنسه غير مثلي، خاصة وأن المثلية طبيعة أرادها الله في البعض من خلقه.
وبعد، ألسنا نعلم أنه لا جنس للملائكة؟ أليس إذن بالإمكان الاعتقاد أن أهل الجنة بمثابة الملائكة؟ عندها، هل هناك بعد فائدة في التفريق بين الذكر والأنثى في الجنة، وحتى على الأرض الدنيا ما دامت التقوى متوفرة في العبد، أيا كان جنسه وأيا كانت طبيعته الجنسية، متلائمة مع الشائع المعرف أو شاذة، مثلية مثلا ؟ أليس المهم التقوى، تلك الميزة الوحيدة في الإسلام التي من شأنها تفريق البشر بعضهم عن بعض أيا كانت ميولاتهم الجنسية؟ هل يقبل الله بهذا ولا يقبل به عبده؟
نشرت على موقع نفحة