تعددت الفواجع في هذه البلاد تقصف بأرواح شباب أبرياء، ولا من ضمير يؤنب السبب الأساسي فيها، ألا وهو كل من يتاجر بالدين والأخلاق.
فلا شك أن المصرع المؤلم للشاب لؤي، قتيل المنزه السادس، لهو من هذه المآسي التي لا بد من وضع حدا لها في أقرب الآجال قبل أن تحصد أرواحا أخرى في براءة الزهور تقطفها الأيدي الآثمة.
قوانين مخزية يجب إبطالها حالا
إن المسؤول الأول على موت الشاب البريء لؤي لهي قوانين العار التي لا زالت تتحكم في حياة الناس بتونس باسم الدين وهو منها براء. إنها في الحقيقة قوانين تهدم صرح الدين الذي كرّس بكل وضوح حق العبد في الحياة الآمنة في نطاق حياته الخصوصية.
فلا دخل لأحد في حرمة حياة الناس الخاصة لأن الإسلام يقدّس أمنها ودعتها. ثم، متى منع دين القيمة العبد من الخطأ أو العصيان إذا استتر؟ هذا، وقد بين الفقه الإسلامي أنه لا حكم بالظنة في ما يخص أمور الدنيا، بل وحتى الدين، بما أنه لا أثم حقيقة إلا الكفر بالله والإشراك به.
كيف نواصل إذن القبول بقوانين رسبت في فقهنا من الإسرائيليات ثم في قوانيننا الوضعية من أخلاق المحتل المسيحي، مشوهة دين الإسلام السمح المتسامح؟
الله في دين الإسلام الصحيح هو الرحمة والغفران أبد الآبدين؛ وهذا يصح حتى عند الخطأ، بما أن الكفارة تسمح بتلافي الغلط وتزكية النفس التي لا نهاية لها إلى الموت، بما أن الله رحمان غفور رحيم.
فكيف نبتغي الإسلام عوجا بقوانين العهد البائد التي كان من الأحرى والأولى إبطالها منذ قيام الثورة، وقد كانت ثورة الشباب للكرامة؟ فهل من كرامة بدون حريات خصوصية في نطاق الحياة الشخصية؟
هذا، وقد كرس الدستور مثل هذه الحقوق والحريات؛ إلا أنها بقيت حبرا على ورق. فحتام وإلام هذ التعسف في رفض حقوق المواطن التونس إلى حد التشجيع، مباشرة وبصفة غير مباشرة، على فواجع مثل فاجعة المنزه السادس الأخيرة؟
إعادة الاعتبار لصريع المنزه البريء
لقد قصف ظلما القانون الباطل المجرّم للعلاقات الجنسية خارج الزواج بحياة لؤي، بريء المنزة؛ وقد كان ذلك مثنى وثلاث : لأنه لا مشروعية لمثل هذه النصوص بعد دخول الدستور حيز التنفيذ؛ ولأنها تناقض حرمة الحرية الخصوصية المضمونة في الإسلام؛ ولأنها تخالف حقيقة الحال، إذ ظلمت بريئا ظلما فاحشا يندد القانون والدين به.
فالقتيل المظلوم، الشاب النجيب لؤي، الحاصل هذه السنة على شهادة الباكالوريا، كان من خيرة الشبيبة حسب كل الشهادات؛ فهو بحق المثال الأسنى لمكارم الأخلاق في فعله وتصرفه؛ هذا ما يشهد به كل من عرفه من القاصي والداني. ولا شك أن ما فعله يوم الفاجعة يدل على شهامة نفسه وعلو أخلاقه، إذ سعى، مخاطرا بحياته، لحفظ عرض صديقته البريئة من لؤم الناس؛ فهل أنبل من أخلاق كهذه؟
لقد أعطى لؤي في حياته القصيرة أفضل الدليل الذي يُحتذى به على علو الأخلاق؛ وها هو تحت الثرى، واأسفاه ! فليرحمه الله ويعاقب كل من أساء له، مسيئا في نفس الوقت لديننا المحترم حرية العبد، الحاث على النية الطيبة ومكارم الأخلاق. وهكذا كان لؤي!
لا جرم! لم يعد اليوم المجال الآن للتأسف فقط على أن يتكلم في الدين الإسلامي من يسىء له، متاجرة به وتلاعبا بأرواح الناس. بل وأيضا وخاصة بتعاليم ملة سمحة متسامحة، هي دين الرحمة وإعطاء المثل الطيب والكلم الأطيب مع نبذ الحكم بالظنة وإقرار العدل ولو على النفس.
لذا، لا بد من إعادة الاعتبار للؤي في أقرب الأوقات، لا فقط بعقاب من كان مباشرة السبب في إهدار روحه في جريمة القتل غير المتعمد، بل وأيضا برفع السبب الحقيقي، وإن كان غير مباشر، في موته الظالم الظلوم.
تلك هي القوانين المجحفة، المخلفة بالدين لتدخلها السافر غير الدستوري ولا الأخلاقي في حياة الناس التي لا تهم إلا أصحابها ما داموا بالغين متراضين. فلا حكم لكسب العبد الحر، ما دام لا يعتدي على حرية غيره، إلا لله في دين الإسلام الحق !
متى يتجرأ إذن الساسة في هذه البلاد على التنديد بكل القوانين المخزية بتونس الإسلاميه المتأتية من قراءة الدين الغالطة ومن طغاة متبجحين بمعرفة الدين وهم لا يفهمون من مقاصده نقيرا؟
لقد حان الوقت لرفع كل ما يشين روح الإسلام بوضع الحد العاجل لدعدشتة المنمية لإرهاب فكري أصبح يحصد الأرواح البريئة بلا هوادة في تونسنا الجميلة، أرض التسامح والمحبة. بهذا، وبهذا فقط، نعطي حقها لروح لؤي البريئة المطالبة بالعدل وإعادة الاعتبار لها!
فهل من سامع من بين من هو اليوم بدوم أدنى شك الشريك الضمني للجريمة؟ إنها لقضية ضمير وأخلاق ومسؤولية !
نشرت على موقع أنباء تونس