كيف ينقلب التونسي من عياش إلى إرهابي
إن فظاعة فاجعة مدينة نيس الفرنسية، وهي تنضاف إلى الفواجع العديدة الأخرى المرتكبة باسم الدين وهو منها براء، لأكبر عندما نعلم أن وراءها يد تونسي.
ولعل هذا لم يعد يُستغرب حديثا لتكاثر تواجد التونسيين في صفوف داعش؛ إلا أن ذلك ليس بالمعهود ولا بالمنطقي، إذ عُرف ابن تونس منذ القدم بأنه عياش، أي يحب الحياة ويحرص عليها؛ فكيف ينقلب بين عشية وضحاها إلى إرهابي؟
ثم إن مرتكب المجزرة الأخيرة ليس فقط من أبناء تونس، إذ هو من المقيمين بفرنسا، أي له فيها من الحريات والحقوق ما لعل من شأنه مساعدته في العيش حسب طبيعته التي تحمله على الأخذ بمباهج الحياة؛ هذا إذا اعتقدنا أن طبيعة التونسي ببلده تتغير شيئا فشيئا لانعدام الحريات والحقوق بها خاصة بالنسبة للشباب. فبذلك للتونسي المقيم خارج الوطن بعض الأسباب الإضافية حتى لا يصبح إرهابيا، ولكننا نرى العكس؛ فهل يكفي انعدام الحقوق والحريات للانزلاق إلى مهاوي الارهاب أم أن العلاقة لها مسببات أخرى، لعلها نفسية أولا وقبل كل شيء؟
في الإرهاب الذهني
إن الإرهاب الإسلاموي اليوم لهو في الذهن قبل أن يكون في الفعل، أي أن الإرهابي ألعوبة بين يدي من يغسل دماغه وذلك بكل ما يُزج به فيه.
طبعا، يبدأ هذا بإفراغ نفس الشاب من كل ما كان فيها من نوازع للعيش البهيج حب الحياة. وهذا يتأتي خاصة من فهم مغلوط للدين يجعل الحياة التي هي الحيوان حسب لغتنا العربية وحسب علم النفس، أي لا تنكر فيها لأي شيء من الطبيعة الحيوانية لابن آدم، يجعلها مطية للتزمت والتطرف.
وليس هذا من الإسلام الأصيل، وما كان فيه حتى أدخله به أهل التزمت من السلفية الهمجية، إذ الإسلام دين ودنيا، لا ترهب فيه ولا رفض لمباهج الدنيا ومتعتها. فحتى الحج كانت فيه متعة في عهد الرسول!
كيف إذن، بمثل هذا التزمت الدخيل على الإسلام، لا تتحجر عقول الشبيبة التونسية، فتنبذ نمط حياتها وطبيعتها بما في القراءة للدين التي تُقدم لها من نتائج وخيمة تؤدي إلى انفصام في الشخصية.
ولا شك أن طبيعة المجتمعات التي هي اليوم مادية صرفة تزيد الأمر حدة، إذ لا روحانيات صحيحة بها تلبي رغبة من تعلق بتقاليده وتعاليم دينه السمحة المتسامحة.
مسؤولية قوانين الاحتلال
لقد كان التونسي قديما بحق عياشا؛ فكانت طباعه سلسة وتسامحه يُضرب به المثل. ثم جاء الاحتلال فغير الطباع بقوانين ودعاوى أصلت التزمت المسيحي في الإسلام، مما أدى إلى الانبتات عوض التأصل في الدين.
وما أفسد الأمور إلا القراءة السلفية التي كانت من نتاج الاحتلال فزادت قوة وتزمتا باسم الدفاع عن الدين، وذلك بالأخذ بالنص الديني مع نبذ روحه، مما نسف الإسلام من أساسه إذ رسبت فيه العديد من الإسرائيليات، فلم يعد الدين الصحيح الذي لب لبابه في مقاصده لا في حرفه المجرد.
هذا، وقد داومت سلط الاستقلال بتونس، كما كان الحال بسائر الدول العربية والإسلامية التي تحررت من الاستعمار، على هذا الفهم الاستعماري للدين لما كان فيه من فوائد جمة ساعدت على إحكام قبضتها على الشعب.
فحتى الحبيب بورقيبة، رغم أن نظرته للإسلام كانت علمية، جعل من قراءته للدين قراءة علموية وذلك لأجل مغالاته في تجاهل كل ما في الإسلام من روحانيات، خاصة بتشنيعه الفاضح على الصوفية.
فقد مثل التصوف روح الإسلام في تسامحه الشعبي واختزل طبيعة التونسي العياش، ولو أن ذلك كان فيه بعض المبالغة أحياتا لما لاقاه الدين من تعنت من طرف الدولة؛ فكل مغالاة تأتي بما يماثلها.
تنقية العقول من كوابلها
المهم أننا اليوم إزاء تقلص الشخصية التونسية المتسامحة المحبة للحياة، ولا نفعل أي شيء حتى يجدد التونسي العهد مع طبيعته الأصلية الأصيلة العياشة.
فكيف نعيد له حبه للحياة والأخذ بمباهجها، إذ ليس هذا في ما نراه اليوم من مظاهر فاحشة للمادية المتوحشة ببلادنا التي تزيد الأمور تعقيدا في مجتمع تعددت فيه الممنوعات الدينية والمحظورات الأخلاقوية؟
وكل هذا، طبعا، يمثل أفضل الأرضية لتخصيب الإرهاب؛ ولا مقاومة جدية ونافعة له إلا بتحرير الذهنية من الكوابل التي وُضعت فيها فجمدت العقل وحجرت القلب.
لا مناص إذن لإنقاذ شبابنا من متاهة الإرهاب إلا بالقول من طرف أعلى السلط الدينية أن الجهاد الأصغر انتهى في الإسلام وأنه لا مكان اليوم إلا لجهاد النفس، أي الجهاد الأكبر.
وهذا يتطلب في الآن نفسه البدء بإبطال القوانين التي تدّعي المرجعية الإسلامية بينما ليست هي كذلك، إذ أغلبها من رواسب عهد الاحتلال. ومنها تلك القطعيات التي أصبحت خرافات، كعدم إمكانية المساواة بين الجنسين في الإرث وتحريم الخمرة واللواط والبغاء، وغير ذلك مما أكل عليه الدهر وشرب.
ولا بد في هذه الحملة التطهيرية من البداية على المستوى التشريعي إذ هو الأسهل للتطبيق سريعا والأفضل لتغيير العقليات بصفة جدية ومستدامة حتى يعود التونسي كما كان عياشا، محبا للحياة.
نشرت على موقع أنباء تونس