المستور في فاجعة نيس والانقلاب التركي المهدور
الاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له مدينة نيس الفرنسية ثم المحاولة الفاشلة للانقلاب بتركيا ستكون لهما ولا شك تداعيات وخيمة على الإسلام والعالم العربي، بل السلام بالعالم أجمع.
لذا وجب التفطن للمستور من القضيتين، مما يتستر عليه الغرب ومن سانده من العرب وأهل الإسلام، بل ومن ناهضه أيضا علنا من بينهما بدون أية قناعة أو نزاهة فعلا.
خفايا فاجعة نيس
فاجعة نيس تبيّن بلا ريب أنه لا قوة ولا فاعلية لداعش وللإرهاب بدون ما يسمى بالذئاب المنفردة، وهي فئة الشباب الضائع الذي ليس همه إلا إيجاد معنى لحياة تافهة، فاشلة لا مغزى لها ولا أمل في التغير والتحسن.
إن أغلب أهل الإرهاب، مثلما هو الحال في منفذ عملية نيس، من غوغاء الشباب ممن لا عقل له يفكر أو ممن وقع غسل دماغه بأكاذيب عن الدين كضرورة الجهاد والشهادة.
فذلك يعطي هولاء الشباب الفرصة للاعتقاد في أحسن الظروف أنهم بعمليتهم الجهادية يخدمون الدين فيضمنون حياة أبدية رغدة في الجنة؛ وفي أفسدها، فإنهم يوفرون لأنفسهم متعة الانتقام من ظلم يعتقدونه لهم ولأهل بجدتهم من الغرب وأهله.
إنه لا حول ولا قوة لداعش بدون هؤلاء، إذ هم ضحاياها المغرر بهم. أما جنود الإرهاب الحقيقيين المتسترين فهم بدون أدتى شك الفقهاء والساسة الذي لا يجرؤون على القول بأن الجهاء الأصغر انتهى وأنه لا شهادة في الإسلام إلا بالحياة للإتيان بالخبر اليقين، لا بالموت والقتل. فمن يقتل نفسا واحدة في دين الإسلام بعد أن قامت دولته كمن يقتل البشرية جمعاء؛ هذا هو الدين الصحيح!
لذا، حلفاء الإرهاب اليوم هم كل من يأخذ بإسلام متزمت ويرفض حقوق الناس فيه وحرياتهم، كل حرياتهم، بما فيها تلك التي تخص حياتهم الشخصية، إذ انعدامها هو الذي يحمل الشبيبة على اليأس من حياة عادية والسقوط في متاهة الأمراض النفسية وانفصام الشخصية الذي يحملهم إلى متاهة الإرهاب، فعلى ما نراه من أعمال إجرامية.
هذا، وللغرب طبعا مسؤوليته في هذا التمشي، إذ يجني اليوم ما زرعه ويزرعه من موالاة لأنظمة ديكتاتورية ولدول ليس لها من الإسلام إلا الشعار، إذ هي تنقض صرحه بصفة صارخة بفهم متزمت لا يمت له بصلة اليوم.
ذلك أن هذه الدول والأنظمة هي الحليف الأفضل للغرب، مثلما هو الحال مع النظام الوهابي، جاهلية هذا العصر، داعش الذي نجح! فهذا لا يُستغرب من غرب همه أن يزداد انقسام العرب والمسلمين للإبقاء على النظام العالمي الحالي، رغم أنه السبب الأول في كل الفواجع التي تعيشها الانسانية قاطبة. ولعل القضية الفلسطينة خير مثال على ذلك.
خفايا الانقلاب التركي الفاشل
بديهي أن الانقلاب التركي الفاشل يدعم هذا الكلام، إذ ما كان ليفشل لولا الدعم الأمريكي وحلف الناتو للسلطة بتركيا.
نعم، الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ينتقد علنا تركيا بخصوص سياستها في الشرق ويندد رسميا بتصرفاتها على مستوى الحريات العامة والخاصة. إلا أنه يرى فيها الحليف الأفضل اليوم لإبقاء الأمور على حالها، أي بالانقاسمات الحالية، بما أنه معلوم انتهاجه لسياسة فرق تسد. وهذه حال كل امبريالية أيا كانت.
من له إذن أن يعيبه على ذلك وقد اتفق العرب على ألا يتفقوا فتناحر المسلمون بعضهم في بعض، راضين مثلا بنظام جاهلي في أقدس مقدساتهم؛ ثم لا رغبة لهم حقا في الوصول إلى حل عادل في فلسطين إذ يقتضي الاعتراف بدولة يواصلون دعوتها بالكيان بينما هي أقوى من الدول العربية والإسلامية طرا. وهذا لمصالح سياسوسة وأغراض شخصية لا علاقة لها بموقف الشعوب العربية المسالمة في غالبيتها، لا ترى مانعا من السلام بالاعتراف المشترك كحل في فلسطين.
فشل الانقلاب التركي إن يدل على شيء فلا يدل إلا على الانقسام المتواجد في صفوف العسكر بالبلاد، بل وفي الغرب حول الموقف الذي يجب اتخاذه إزاء الإسلام المتزمت. هناك لخبطة حقيقية هي قيمية قبل أن تكون سياسية.
ذلك لأن السياسة تقتضي الأخذ أولا بالظاهر وبما تمليه المصالح الآنية؛ والظاهر اليوم هو أن النظام التركي ينتهج، ولو مخادعة، نهج الإسلام الوسطي رغم أنه حقيقة المتزمت الخفي، المساند لداعش.
فهو مثلا لم يغير ولا ينوي تغيير أي شيء من المنظومة القانونية للبلاد رغم أنه لوحدها القدرة على تفعيل التغيير في الشعب والنخب خاصة، ابتداء بأذهان تحجرت بقراءة للإسلام أكل عليها الدهر وشرب.
إن مثل هذا الاجتهاد متحتم؛ لكن لا تركيا تقوم به ولا الأنظمة التي تدعي أيضا الوسطية مثلها أيا كانت؛ وهذ ما يساعد الغرب ريخدم مصالحه ويمكنه من القول أنها قضايا داخليج لا ناقة له فيه ولا جمل. وليس ذلك صحيحا ما دام الرضا منه بالأمر يشجع على بقاء الأمور على حالها كما يتمناه خدمة لصالحه في بقاء المجتعات العربية الإسلامية متخلفة.
الكل يعلم أن أغلب الأنظمة العربية والإسلامية ألعوبة في أيدي الغرب؛ إلا أنها ألعوبة بمحض إرادة الخاصة وخضوع العامة لها. من ذلك قضية تغيير المنظومة القضائية هذه؛ فأين النخبة المستنيرة التي من واجبها مساندتها والسعي لتغيير العقليات الشعبية الرازحة تحت نير قوانين مجحفة مما يضطرها للعمل عمل ساستها للحفاظ على سلامتها من قوانين العار؟
لنأخذ مثلا موضوع المساواة في الإرث، إلى متى نقبل بخداع القطعيات حتى لا نقوم بالخطوة االنوعية الضرورية لدمقرطة بلدنا؟ ثم في قبول الآخر المختلف في حياته الخاصة، كعدم الصلاة أو الإفطار في رمضان أو شرب الخمرة وغير ذلك من الحريات االخصوصية، كيف ندعي ابتغاء الأفضل السياسي ونخبنا لا تعمل بعد على تحقيق ما يمثل قاعدة العيش المشترك بالمطالبة بإبطال القوانين الجائرة الدعية على الإسلام؟
كل هذا مما نسكت عنه، لما فيه من إحراج وكشف لفهم داعشي للإسلام، فنرمي المسؤولية فيه على الغرب الذي بنفسه يتعلل بتلك الحال للتصرف كما يفعل. فإذا هي الحلقة المفرغة واستدامة تخلفنا.
فلا مجال لأن يغير الغرب من سياسته حتي يغير العرب والمسلمون أنفسهم؛ فهلا قاطعوا مثلا الحج، وهو على الآبواب.كما طالبت به بعض الأصوات الحرة في الجزائر، ما دام الحج أصبح تجارة وخاصة لوجود الحرم المكي تحت يد من لا يخدم الإسلام بل يهدم صرحه؛ إذ الوهابية ليست من الإسلام، إنما هي جاهلية.
نشرت على موقع نفحة