يوميات رمضانية
11
أحدثت فاجعة مدينة أورلاندو الأمريكة هزة كبيرة، لعل تداعيات ستأتي لاحقا في الدول العربية الإسلامية، خاصة بتونس والمغرب، فتخلق ثورة عقلية ضرورية لدين علمي عالمي التعاليم أضاع أهله ثوريته وأنواره من شدة التزمت، مما جعله متحجرا ظلاميا.
ليس الفحش في الجنس المثلي
إن هذا الإجرام الفظيع الذي يتم باسم الدين لهو الفحش الحقيقي، ولا يمكن له أن يتواصل هكذا بدون ردع. فإذا نحن استثنينا ما يُحمل ضرورة على النفاق السياسي، لم نسجّل شيئا يُذكر من طرف ساستنا للتنديد بظلم المثليين الأبرياء باسم الإسلام؛ فهم لا يحرّكون ساكنا حيال الدعوات الإجرامية الصادرة عن أئمة السوء وإعلام العار أفحش في الإفساد في الأرض؛ هذ هي الفاحشة، لا حب المثليين البريء!
رغم ذلك، فإن ساستنا يعلمون جيد العلم أن صناعة القتل يغذيها خطاب إرهابي وإجرام ذهني كالذي عايناه أخيرا على منبر أحد مساجدنا وعلى شاشة تلفزة دينية؛ فهلا نددّت على الأقل بهذا الفحش المقيت السلط أو الحزب الذي يتبجح بمرجعية الإسلام ويقول بأخذه بااديمقراطية؟ فهو لا يتجرأ على القول بصراحة أنه لا تجريم ولا تحريم للواط في الإسلام الصحيح، بينا الاعتراف بمثل هذا الحق من مباديء العيش المشترك، وهو أساس الديمقراطية. أي فاحشة أكبر من هذا النفاق الذي يمهد للإفساد في الأرض!
إن الفاحشة في اللغة العربية هي ما تجاوز الحد والقدر في كل شيء؛ ومنها أصبح يقال ذلك لكل ما قبح في القول والفعل؛ فالكذب فاحشة، كما تفعل النهضة؛ والبخيل فاحش. من هنا، جاءت الفاحشة عند الفقهاء، أي ما نهى الله عنه، بله ما عظم قبحه في القول والفعل. وقد أطلقت الفاحشة عموما على الزنا.
ونظرا لأن المثلية كانت في العصور الغابرة تُعتبر مخالفة للطبيعة، فقد عدّها فقهاء الإسلام فاحشة، بل وأكبر الفواحش. مع العلم أن النظرة العالمية السلبية دامت طويلا بتأثير من العادات اليهودية والمسيحية، إلى حد أن المنظمة العالمية للصحة لم ترفعها من قائمة الأمراض إلا في السنوات الثمانين من القرن الماضي.
أما اليوم، فقد تغيرّت النظرة عالميا وعلميا للجنس المثلي، فلم يعد فاحشة؛ بل الفاحشة هي رفض الحق في هذه الفطرة. لذا، حان الوقت للنزهاء من مسلمينا الإناسيين لوضع حد للفحش الحقيقي في الإسلام اليوم، ألا وهو هذا الإجرام الذي يشوّهه بتحريم المثلية.
ولا يكون هذا إلا بالعمل على تغيير العقليات، وهو مرتهن بتحيين القوانين الجائرة. فإذا لم يقع اليوم إبطال كل القوانين المجرّمة للواط ببلاد الإسلام، لسوف يستفحل الأمر وتتعدد الفواجع في كل أنحاء العالم، مثل ما رأينا بالمدينة الأمريكية المنكوبة.
ذلك لأنه ما دام هناك من يقول ويعتقد، عن حسن أو سوء نية، أن اللواط أو المثلية محرّما دينيا ويستوجب القتل، فليس هذا منه إلا الدعوة الصريحة للقتل والحث عليه؛ هل نقبل بمثل هذا الإجرام؟ أليس من يحرض من يقتل في هذه الظرورف أشد جرما من الفاعل الذي وقع غسل دماغه بترهات باسم دين مسخه أهله؟
فإشاعة الفاحشة في الإسلام اليوم ليست إلا في التشجيع على مشاعر الكراهية هذه بين الناس. فما ذنب فتاة أو فتى قدّر الله لهما أن يولدا وفيهما غريزيا ودون اختيار منهما النزوع لمثيلهما في الجنس، أتراهما يمارسان الجنس مع مثيل أو مثيلة عن محض اختيار أو لأن ذلك من طبيعتهما؟ أتراهما يختاران هذا رغم كل ما يؤدي له مثل ذلك الاختيار من غوائل ومشاكل اجتماعية؟ ثم هبهما كان بهما مرض لأجل تلك العاهة كما يعتقد البعض، فهل يعاقب المريض على ما ليس له فيه ذنب؟
إن نظرتنا كما هي لموضوع كهذا من أفضع ما نضيّع به ديننا الذي كان ثوريا في معالجته هذه الظاهرة الاجتماعية مما جعل مجتمعاتنا الاسلامية في عهدها الذهبي مثالا للحرية ولاحترام الذات البشرية كما نراه اليوم في مجتمعات الغرب. وليست العودة إلى ذلك العهد الذهبي بعزيزة إذا أصلحنا قراءة ديننا، إذ عرفت بعد حضارة الإسلام ذلك.
ليس الشذوذ غير طبيعي
إننا نبيّن في هذا الطرح بما لا يدع طريقا للشك أن ما يُسمّى بالجنس الشاذ، أي اللواط أو المثلية، ليس محرّما في الإسلام؛ وقد تعددت اليوم في الغرض الكتب والمقالات لرفع هذه المظلمة عن دين كان في هذا المضمار علميا وعالميا في إناسته. ونحن نذكّر ببعض تلك المراجع بالهامش لمن يريد زيادة التمعن لمعرفة دينه دون مغالطات. ولقد سبقت سماحة الإسلام واحترامه للذات البشرية وفطرتها العلم نفسه كما بيّنا.
نعم، لقد رسخ في الأذهان أن الإسلام يحرّم اللواط أو المثلية كما حرّمه الكتاب المقدّس، وهذا غير صحيح، بل داخل دين القيمة مع ما داخله من الإسرائيليات. فهلا انتهينا عن العمل بالعادات اليهودية والمسيحية وقد نبذها أهلها بعد اعتناقهم للمباديء الديمقراطية، فنعود لأصل الدين حسب ما هو في الفرقان وفي السنة النبوية الصحيحة؟
هذا، وليس مفهوم عبارة الشذوذ وماهيتها في لغتنا العربية ما نعتقد، فغالبا ما يغيب عن الأفهام. إن الشذوذ هو الخروج عن المألوف؛ وليس المألوف بالضرورة الحق، إذ يختلف حسب تطوّر العقل البشري واتساع آفاق علمه. فكم من مألوف معروف كان أساسا للفكر أو عمادا للأخلاق ثم انهار واندثر وحل محله مألوف آخر ومعروف أصح، أقرب للنمو البشري الذي هو ولا شك في اطراد دائم!
لغويا، الشذوذ الجنسي، بما فيه من لواط أو مساحقة - وهو ما يحسن تسميته بالمثلية أو المماثلة -، هو مخالفة القاعدة، أي الخروج عما هو شائع ومتعارف عليه؛ وليس معنى ذلك أن الشائع والمتعارف عليه هو التصرف الجنسي الطبيعي. فنحن نرى في الطبيعة تصرفات متنوعة، تختلف عما درج البشر على اعتباره قاعدة جنسية أو فطرة إنسانية.
هذا هو الخطأ السائد عند المتزمّتين من المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى ومن غير أهل الدين، الآخذين بفكرة أن اللواط غير طبيعي ويخالف الفطرة البشرية. فالأصح، وتلك هي الحقيقة العلمية، هو القول بأنه فطرة البعض من الناس تخالف فطرة جل الناس. فهما إذن فطرتان ولا داعي لإعلان الحرب بينهما، لأن الإسلام يحترم الإنسان في فطرته؛ فكما خلقه الله، له الحق في أن يعيش ويُحترم بفطرته.
هذا مع العلم أن الجنس الأوفر في الطبيعة لا يفرّق بين الذكر والأنثى، فهو ثنائي؛ وهذه طبيعة الجنس العربي وببلاد المغرب العربي الأمازيغي كما نبيّنها لاحقا.
فاحشة قوم لوط هي الحرابة
إن من يقول بأن المثلية محرّمة في القرآن ليفحش في حق المثلي والإسلام. نعم، استعمل الله، العبارة لكن في سياق حديثه عن قوم لوط، معمما كلامه عن بعضهم وهو يقصد التخصيص، إذ فاحشة قوم لوط كانت الحرابة، فلذلك خسف الله بهم الأرض؛ أما اللواط فكان في بعضهم.
إن العارف بلغة العرب يعلم جيد العلم هذه الصفة البلاغية الكبرى في لغة الضاد التي تقتضي نعت الشيء في مجمله بصفة واحدة منه، وذلك من باب وصف الكل بالجزء، وهي من البديع العربي المعروف عند كل من لم يجهل لغته، لغة القرآن، زيادة في المدح أو الذم؛ وهنا للذم طبعا.
من ذلك عرّف القرآن قوم لوط بأنهم كانوا ممن يأتون الذكران واكتفى بذلك بينما كانت صفة في البعض منهم لا الكل، فما كانت صفة القوم طرا ولا في كل الأحوال، وإلا لما أصبحوا قوما، أي شعبا، إذ هذا يقتضي التناسل؛ ولا تناسل مع اللواط!
الحقيقة الثابتة اليوم عند أهل اليهودية والمسيحية، وهم من ذكّر الله بقصصهم، أن قوم لوط كانوا من قطّاع الطريق، أي امتهنوا الحرابة التي جاء الإسلام منددا بها وأتى فيها بأشد العقاب في الآية 33 من سورة المائدة فقال : «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفو من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم».
ما كان إذن فعل قوم لوط الذي عوقبوا لأجله اللواط - والكلمة غير موجودة أساسا في القرآن ولا في العربية القديمة - بل قطعهم للطريق وامتهانهم الحرابة. ما يجب إذن الوقوف عنده من حقيقية لا مراء فيها هي أن اللواط كان في بعض قوم لوط، استعمله الله في بلاغة عربيته المبينة لفحشه في تلك الحقبة من التاريخ، فعمّمه على كل القوم، وما كان فعلهم كلهم ولا صفتهم الأساسية.
هكذا نتبيّن أن عقاب الله، الذي نعتقده اليوم يتعلّق بفطرة بشرية لم يحرّمها الله، إنما خصّ الحرابة التي هي حقا من أفحش الفواحش في كل الأزمنة؛ فهل أفظع من قطع السابلة والاعتداء على عابر السبيل؟ هذا هو الإفساد الحقيقي في الأرض!
ومما يؤكد ما نقول أن العربية السعودية - وهي من البلاد التي تخرق الإسلام الصحيح فتُجرم في حق المثليين -، عندما تعدم مثليا، تعتبره قاطع سبيل فتستشهد في البيان التي تعلن فيه عن تنفيذ العقوبة بالآية المذكورة أعلاه إضافة لحديث غير صحيح لم يذكره الشيخان.
هذا يبيّن بما لا يدع مجالا للشك مدى إساءة المسلمين اليوم إلي دينهم عن وعي أو لاوعي؛ ففاحشتهم لعظيمة بمسخهم دينا هوى إلى دعدشة ظلامية بعد أن كان تنويريا. وقد شجّع هذا البعض ممن لا يريد الخير للإسلام من أعدائه على استغلال قضية مناهضة تجريم المثلية المشروعة للتهجم على ديننا رغم أنه بريء من تهمة منع اللواط وتجريمه، خلافا لليهودية والمسيحية.
ذلك أنه وصل الحد بالبعض منهم إلى جعل قضية الإبطال تجارية بحتة، فليس همهم مساندة من صدقت نيته في النضال من أجل إبطال تجريمٍ ما قال به الله، بل لغاية في نفس يعقوب هي تجنيد الشباب الإسلامي ضد دينه ورميه في أحضان الغرب بدعوى تسامح أكبر للمسيحية من تسامح الإسلام.
هذا ما نراه يوما بعد يوم، إذ يتنكر الشباب لدينه السمح معتقدا غلطا أنه ظلاّم للعبيد وللمثلين خاصة لأجل قوانين جائرة تظلمهم وتظلم الإسلام في نفس الوقت. وليس هذا صحيحا كما نبيّنه الآن.
في القرآن، لا تجريم للواط، بل مجرّد قصص
ما يجب معرفته هو أن ما يسمّى بحدود الله في موضوع اللواط هي تلك الحدود العامة كما فهمها المفسرون فخُصصت. إذ لا حكم ولا حد في القرآن ولا في السنة بصريح العبارة في موضوع اللواط.
إن الآيات التي تعرضّت للموضوع في القرآن هي الآتية : الأعراف (7) 80 ـ 84 - هود (11) 77 ـ 83 - الحجر (15) 57 ـ 77 _ الأنبياء (21) 74 - الفرقان (25) 40 - الشعراء (26) 160 - 175 _ النمل (27) 54 – 58 _ العنكبوت (29) 28 - 35 - الصافات (37) 133 - 138 - القمر ( 54 ) 33 - 34 .
هذا، ولعل البعض يضيف إليها آيات آخرى لا علاقة بها بلوط وقومه، إنما هي خاصة لحفظ الفرج عامة. يذكرون مثلا : المؤمنون (23) 5 ـ7 والمعارج (70) 29.
وهناك من أهل التفسير من يصرف معنى قوله تعالى ﴿فَمَنِ ابْتَغَى ورَاء ذَلِكَ﴾ إلى أنه يشمل كل أنواع الممارسات والاستمتاعات الجنسية الخارجة عن إطار العلاقات الزوجية المشروعة التي أباحها الله لعباده؛ وهم لا يشعرون أنهم يضعفون بمثل هذه الآية من قوة أدلتهم من حيث لا يدرون، إذ يمكن موضوعيا أن نجد فيها إجازة ضمنية للواط أو المساحقة وذلك بتعاطي اللواط مع ما ملك اليمين؛ فلسائل أن يسأل : هل هذا مما منع الله؟
أما الآية الوحيدة التي يرى بعضهم أن فيها صراحة ذكر اللواط، فهي الآتية : النساء (4) 16 : ﴿ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾.
ولا بد هنا أن نذكر الخلاف السائد عند المفسرين في هذا الموضوع. إلا أن الصحيح الذي لا مراء فيه هو ما يقوله الطبري، أجل المفسرين وأعظمهم قدرا؛ فرأيه لا تردد فيه ولا إشكال، إذ يختم تدليله كما يلي: «وإذا كان ذلك كذلك، فبـيِّن فساد قول من قال: عُنـي بقوله: ﴿وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ ﴾ الرجلان، وصحة قول من قال: عنـي به الرجل والـمرأة».
هذا وإن نحن سلّمنا، على وجه الافتراض، بصحة نسبة هذه الآية للواط، فهي تكون ولا شك من الأدلة على تسامح الإسلام في الموضوع بما أنه لا عقاب إلا ببعض الأذى وهو أهون مما يذكره الفقهاء عادة من حد للواط؛ ثم أن هذا الأذى لا مجال إليه إلا عند انعدام التوبة!
واضح إذن أن الفاحشة في الإسلام هي ما هو مخالف للمتعارف عليه في المجتمع مما يُعد قبيحا، وبما أن اللواط كان في الزمن الخالي مما يُعد كذلك في عموم الأرضين، إسلامية كانت أو يهودية أو مسيحية، فلا غرابة أن يقع الربط بينه وبين الفاحشة. وهذا طبعا من المنطق بمكان إذا قُبل التغيّر والتطوّر مع تطوّر المجتمع.
إلا أنه من الغريب، بل من الجرم، أن نواصل الأخذ بهذا المفهوم اليوم، فيواصل الفقهاء، رغم إقرارهم بمدى قلة علمهم أمام علم الله الواسع - حيث أن الإنسان العالم يبقى جاهلا ما دام يطلب حقا العلم -، إصدار الأحكام العشوائية والتلاعب بأوراح البشر ومصير الأبرياء لا لشيء إلا لأنهم خالفوا طريقتهم ونمط عيشهم. ويفوتهم في الآن نفسه أن الفاحشة الحقة في نظر الله الرحمان الرحيم هي أولا وقبل كل شيء تنمية البغض والكره في القلوب!
فليس في الآيات التي ذكرنا أي حكم صريح في موضوع اللواط، إذ هي كلها قصصية، والفرق كبير بين ما هو قصصي وماهو حكمي. طبعا، لن نشكك في أن القصص في القرآن هي للموعظة، إلا أننا نقول أنه لا شك أيضا أن مجال الموعظة يختلف باختلاف المجتمعات وتطورها الدائم.
فلنأخذ على ذلك مثال الرق أو ملك اليمين، ففي القرآن مواعظ في الموضوع، وهي صالحة لزمان كان الرق فيه من عبيد وملك يمين لا محيد عنه؛ وهاهو الزمن يتغير، فهل نترك جانبا ما جاء في الموضوع من موعظة وقد أدت ما جاءت لأجله في زمن ولى وانقضى أم نتسمك بها لمجرد ورودها بالقرآن؟ كذلك يكون الشأن بالنسبة لما ورد بخصوص حكاية قوم لوط.
إن حكمة الإسلام وعلمية أحكامه وصلوحيتها لكل زمان ومكان وراء انعدام حكم خاص باللواط. فالقرآن لا يتعرض لهذا الموضوع ويُبقي الباب مفتوحا للتطورات العلمية التى قُدّر لها أن تأتي من بعد فترة الوحي والنبوة لتأكد أن اللواط هو من الفطرة لبعض البشر، إذ هو من طبيعتهم كما أرادها الله لهم، ولا مرد لما أراد الله في بشره أو البعض منهم.
في السنة الصحيحة، لا حديث عن اللواط
لعلنا لا نأتي بجديد عندما نقول أن الحديث النبوي وقع فيه الكثير من التشويش واللخبطة مما حدا بالمسلمين التحرّي الشديد للتأكد من صحة المتن والسند. وقد كان عملا جبارا أدى إلى التفريق بين الأحاديث من صحيح إلى ضعيف مرورا بالحسن، ولكل نوع صفات؛ ومدار الصحيح والحسن صفة الضبط، فهو تام في الأول أخف في الثاني.
إضافة لأنواع الحديث، توصّل المسلمون الأوائل إلى تصنيف المصنفات في الحديث ففرزوا منها ستة اعتبروها صحاحا، وفي هذه الستة ميزوا بين اثنين عُدّوا أصح الصحاح، ألا وهما صحيح البخاري وصحيح مسلم. ثم إنهم لشدة تحرّيهم العلمي ونزاهتم الفكرية برهنوا على تعلّقهم بمدي صحة الحديث ومرجعيته المطلقة بتواتره في هذين المصنفين، فقالوا هذا حديث متفق عليه عند الشيخين.
لذا، فإن الحديث الصحيح، ما دام من الأحاديث التي انتقاها الشيخان البخاري ومسلم ووُجدا في صحيحيهما هو عند المسلمين بمثابة القرآن المنزّل، لا شك في صحته؛ أما إن غاب عن هذين الصحيحين، فلا مجال لصرف مثل هذه الصفة عليه حتى وإن وُجد في بقية الصحاح، فقيمته تبقى أدني.
فما هي حال الأحاديث المروية عن الرسول الأكرم في موضوع اللواط؟ إنها بعيدة كل البعد عن نوع الحديث القطعي الذي تحدثنا عنه، إذ كل الأحاديث المروية في موضوعنا هذا غير مذكورة لا عند البخاري ولا عند مسلم.
نعم، نجد البعض منها عند أحد الستة الآخرين، ولكن صحتها تبقى محل شك حتى وإن قيل فيها أنها على شرط مسلم أو البخاري. فهي، على قيمتها، تبقى أدنى درجة من قيمة الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان.
لنستعرض الآن أهم الأحاديث التي يذكرها دعاة تحريم اللواط لنبيّن أننا لا نجد منها حديثا واحدا مما وصفت من الصحة المطلقة : حديث أخرجه الحاكم : عن بريده رضي الله عنه - حديث رواه ابن ماجة : عن بن عمر رضي الله - حديث رواه الألباني : عن بن عباس رضي الله عنهما - حديث رواه الترمذي : عن ابن عباس رضي الله عنهما - حديث صححه الألباني : عن ابن عباس رضي الله عنهما - حديث رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني: عن جابر رضي الله عنه - حديث راوه أحمد وصححه الألباني : عن ابن عباس - حديث راوه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني: عن ابن عباس.
هكذا إذن، رغم أن اللواط يعتبر ذنبا عظيما ومعصيته كبيرة من كبائر الذنوب التي حرّمها الله، لا نجد ولا حديثا واحدا، لا فقط مما اتفق عليه الشيخان، بل ولا في أحد الصحيحين. وهذا، إن كان مقبولا في زمن أجمع فيه الناس من كل الديانات والمشارب على أن اللواط فاحشة، فهو اليوم غير مقبول باسم مباديء الدين نفسها التي تدعو للنزاهة والعدالة. ذلك أنه حصل ما حصل منذ ذلك الزمان من تطور علمي في فهم هذه الظاهرة أخرجها من البوتقة الأخلاقية الضيقة التي ورثناها عن سلفنا الصالح.
وبعد، لقد عُدّت المثلية أفحش فاحشة دون حكم بيّن في القرآن ولا حديث في أصح الصحاح، البخاري ومسلم؛ فهل هذا من العدل، والإسلام دين العدل؟ ثم لماذا نريد قسرا جعل اللواط من باب قضاء الإنسان لوطره؟ أليس في ذلك نكرانا للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، لأن الله فطر على هذه الحال البعض من عباده، وفي التعرض لهم على ما هم خُلقوا عليه تعدٍّ لحدود الله تعالى بإيجاد الحرام في غير مظانه، إضافة لما في ذلك من محاربة لخالق الأرض والسماء بعدم لزوم كيفية خلقه لعباده وتعدٍ إلى نواهيه في الاعتداء على الأبرياء.
تحريم اللواط من اجتهاد الفقهاء
بعد أن بيّنا خلو القرآن والسنة في أصح صحاحها من أي إشارة للواط، لنقل أن بقية المراجع الإسلامية الموثوق بها هي على نفس الشاكلة رغم اختلاط الأمر عند بعض الرواة، إذ نجد الروايات المتناقضة التي ذهبت إلى حد ترجيح اللواط على الزنا، بينما اللواط ما عُدّ فاحشة إلا بالقياس على الزنا كما نبيّنه.
هذا ووصلت المبالغة بالبعض إلى الموازاة بين اللواط والكفر، وقد وجدنا ذلك عند بعض الشيعة، وكأنه جاء كردة فعل على ما رأينا عند البعض من أهل السنة ممن يرمي هؤلاء بالتسامح في الموضوع وتحليله، كما قيل عن بعض فرق الإباضية مثلا.
أما رأي الإسلام السني، وهو إسلام عموم المسلمين، فيكفينا الإشارة إلى الشافعي، حيث ثبت أنه قال في موضوع اللواط : « لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء ». رغم هذا، رأينا البعض من الرواة، وإن لم يشككوا في ذلك، يقولون بروايتين، فيزعمون أن الشافعي قال عكس ذلك في رواية ثانية. ولا بد لنا من الإشارة إلى أن الاختلاف والتناقض الذي يصل إلى حد التهافت يتجلى أيضا في الحد، ولكن أيضا وخاصة في كيفية إثبات اللواط.
ولسائل أن يسأل : كيف تم التوصل إلى تحريم اللواط بدون حكم خاص بمثل هذه الشناعة المفترضة، ونحن نعلم أنه لا تحريم في الإسلام إلا بحكم قطعي الدلالة؟ لقد اضطر الفقهاء إلى اللجوء إلى الزنا والقياس على حكمه لتجريم اللواط بذلك.
فالإسلام إذن لم يفرض حدًا للواط، وأقسى ما يمكن أن نقوله في الموضوع هو أنه ترك قضية الحد للمشرّع الذي وصل في تشديد العقوبة في عهد أبي بكر، حسب بعض الروايات، إلى الحرق حيًا.
الثابت هنا هو اختلاف الآراء في الحد؛ ومن المهم أيضا الانتباه إلى العراقيل التي قيّد بها الفقهاء تطبيق الحد في زمن عُد فيه اللواط فاحشة عظمى؛ فما بالك اليوم وقد بيّن العلم أن لا فاحشة في مثل هذا العمل؟
ما يؤكد مثل هذه العراقيل هي الكيفية المعتمدة شرعا لإثبات اللواط. فقد بيّن الفقه أنه لا لواط إلا بإدخال الذكر الدبر، وما عدا ذلك ليس بلواط؛ ثم هو اشترط قواعد يجب توفّرها شرعا حتى يُوجب اللواط الحد. فإثبات اللواط، حسب قول جمهور الفقهاء، يقع أساسا بشهادة أربعة رجال أوبالإقرار، كما هو الحال بالنسبة للزنا.
بهذا ندرك مدى خلف الفقهاء اليوم والقضاة في تطبيق الشريعة في موضوع اللواط. أما ما يخص المساحقة، ولا ولوج فيها، ينتفي عنصر أساسي وبه لا مجال لاعتماد الزنا؛ وأما في العلاقة بين رجلين، فلا وجود حتما للإيلاج بما أن اللواط لا ينحصر ضرورة في العلاقة الجنسية كما يثبته العلم اليوم.
إن المثلية، أولا وقبل كل شيء، علاقة ميول أو حب للمماثل، وليس الحب من الشهوة، إذ يتجاوز تلك النظرة البسيطة المبنية على مجرد الحس والجنس إلى ما يؤسس للأحاسيس والمشاعر، بما فيها النبيلة من حب وحنان وعطف ومودة.
هذا، ولنضيف أن جرم اللواط عند الفقهاء لا يصح أيضا إلا بتوفر شرط الشهود؛ وهذا ما يوجب بالضرورة إحدى الفرضيتين التاليتين : إما أن العملية الجنسية تقع أمام أنظار الناس، وعندها لم تعد علاقة جنسية عادية؛ وإما أن يتسلل الشهود على أحوال الناس ليراقبوا فعلهم في خلوتهم.
فأما الحالة الأولي فهي من فرض المحال، على الأقل في مجتمعاتنا الإسلامية؛ ثم من يلجأ إليها يعاقب حتى في المجتمعات الإباحية. وأما الحالة الثانية فهي مكوّنة لذنب يعاقب عليه لا الإسلام فقط إذ يكوّن جريمة تقرّها الأنظمة المدنية، ألا وهي التسلل علي الناس وهتك سرهم. وبديهي أن مثل هذا الذنب ينفي بمجرد وقوعه ومن تلقاء نفسه كل ذنب آخر، أو على الأقل إقامة الحد فيه، بما في ذلك اللواط. فقد كان الإسلام دوما شديد الحريص على حماية أعراض الناس من أن يهتكها أي قاذف يتطلع على عوراتهم.
ولنختم بالتأكيد على أن الزنا واللواط في الفقه الإسلامي لا يثبتان شرعا إلا بالإيلاج، أي إيلاج الذكر في الفرج أو الدبر؛ فلا زنا ولا لواطة بدون ذلك. وكتب التاريخ تروي لنا كيف كان الرسول والصحابة يتشددون في التثبت من حصول المعاينة أو الاعتراف بها.
بهذا، بالإمكان التأكيد أنه لا جريمة للواط في الإسلام سواء كان ذلك بمطلق العبارة أو بمضمونها، ولا سبيل لعقابها إن وجدت على فرض المحال لأن التدليل على مثل هذا الذنب يقتضي إقتراف ذنب أعظم وأدهى، ألا وهو التكشف على عورات الناس وإقلاق راحتهم، وذلك مما يعده الاسلام من الاعتداء والبغي والإفساد في الأرض. أفليس من الآداب التي حث عليها الإسلام غض النظر واستئذان المرء على أخيه وعلى أهل بيته؟
تجريم المثلية رسب من اليهودية والمسيحية
بعد هذه الأدلة، دعنا نضيف أن اللواط أصبح هذه الفاحشة النكراء باجتهاد فقهاء كانوا متأثرين بتعاليم اليهودية والمسيحية. ذلك أن الكتاب المقدس يجرّم اللواط بصريح العبارة بخلاف القرآن. وقد عرفنا مدى تأثير الإسرائيليات التي داخلت دين الإسلام على الفقهاء، إذ جل حملة العلم فيه كانوا من الموالي، كما بيّن ذلك ابن خلدون. يعني هذا أن متخيلهم ولاوعيهم كانا مشبعان بالتعاليم اليهودية والنصرانية، أي مجرّما للمثلية أو اللواط.
علاوة على كونه إذن من رواسب اليهودية والمسيحية، الإسرائيليات المتزمتة التي تغلغت في حياة العربي المسلم حتى غيرت ما كان لديه من نظرة سليمة للجنس، فالموقف الفقهي الرسمي اليوم في موضوع اللواط ليس فيه من الإسلام إلا الإسم، إذ هو مطية للتحكم في المجتمع وتحديد حرياته وتقزيم تطلعاته.
هذا، ولنذكر أن ما نراه اليوم من حريات في الغرب، أو كما يقول أهل التزمت من انحلال أخلاقي، كان موجودا عند العرب والمسلمين عندما كانوا في أوج حضارتهم. فمثل هذه الحريات هي من الترف الثقافي الذي يتبع حتما التقدم الإقتصادي.
لذا، علينا الانتباه، عندما نرى ما نرى اليوم في الغرب من عري أو ممارسة الجنس بطلاقة، إلى أنها حريات فردية مضمونة قانونا، نظرا لأن هذه البلدان أصبحت ديمقراطية. فهي لم تكن كذلك في السابق عندما كانت الكنيسة تتحكم في الحياة اليومية للشعب، تماما كما يريد رجال الدين عندنا التحكم في أخلاق شعوبنا وتصرفاتهم. فلقد كانت الشعوب الغربية تقاسي الويلات باسم الدين كما نقاسيها نحن اليوم.
ففي بلاد الإسلام في أوج حضارتها، لم يكن مثل هذا، إذ كان المسلم يحيا تماما في حرية كاملة كما هو حال الغرب أيامنا هذه. ولئن انقلبت الآية تماما فذلك لنبذ الغرب أخلاقيته الدينية المتزمتة باعتناقه للديمقراطية، مما جعل التزمت يهجر ربوعه ليستقر ببلادنا مكان حرياتنا وأخلاقيتنا المسلمة المتسامحة، باسم الإسرائيليات لا احتراما لتعاليم الإسلام الذي هو من كل ذلك برييء.
لقد كانت الحضارة العربية الاسلامية حداثة قبل أوانها، أي قبل الحداثة الغربية بزمان، فكان عند العرب مثلا في شخص زرياب ما سُمّي من بعد بالغندور Dandy، إذ كانت عواصم بلاد الإسلام في الشرق وبالأندلس منارات حضارية في حين كان الغرب يعمه في ظلمات هي مثل الظلمات الداعشية اليوم.
لما كانت شمس الإسلام ساطعة على العالم، كان المسلم، تماما كالمواطن الغربي اليوم، ينعم بحقوقه كاملة بما في ذلك حقه المشروع في حياته الجنسية الخصوصية؛ فكان اللواط أو المثلية منتشرا إلى حد التغني به في ما سُمي بالمذكّرات؛ ولم يكن هذا فقط من طرف الشعراء والعامة، بل وأيضا الخاصة بما فيهم فقهاء أجلة!
ولا فائدة هنا في ذكر نمط الحياة المترف في عهد الخلافة العباسية وقد أطنب في ذلك التوحيدي وغيره؛ لنبيّن فقط أن الجنس المثلي كان معروفا حتى في عهد الرسول الذي كان يسمح لخنثى دخول بيته على حريمه، مما يبيّن مدى تسامح أخلاقه وقبوله بهذه الفطرة في بعض البشر.
وطبعا تغيّرت الأمور بعد وقوع بلاد الإسلام تحت نير الاستعمار المسيحي الذي أتى بتزمته. فالمسيحية، عبر الاحتلال، هي التي فرضت تجريم المثلية على المجتمعات الإسلامية.
ضرورة إبطال قانون الاحتلال غير الإسلامي
إن الاحتلال الفرنسي هو الذي أدخل في المدونة الجزائية المغاربية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، الفصول 230 بتونس و489 بالمغرب و333 و 338 بالجزائر المجرّمة للمثلية.
فقبل الاحتلال الفرنسي، كان الجنس بهذه الربوع، كما عرفنا الجنس العربي وكما لا يزال، تماميا لا يفرق بين الذكر والأنثى كما الأمر في الطبيعة؛ وهذه هي الحال لمستمرة بمجتمعاتنا لكن في كنف التستر خوفا من ظلم الحاكم ومن تسلط الميليشيات الداعشية على الأخلاق الإسلامية.
لذا، واجب الحكام ببلاد الإسلام اليوم هو التصدي لكل مظاهر الخبل الداعشي هذه، لأنها تقوض صرح الإسلام ولا تقويه. ولا يكون ذلك إلا بإعادة فتح باب الاجتهاد في الدين ومراجعة كل ما يتضمنه القانون الوضعي من فصول جائرة تدّعى الصفة الإسلامية وهي ليست من الإسلام في شيء، بل تنفي تعاليمه بمخالفة نصه أو مقاصده مخالفة صريحة لا لبس فيها.
نعم، نحن في بلاد المغرب الأمازيغي العربي، لا نذهب إلى حد القتل كما هو الحال ببعض البلاد الإسلامية كإيران والعربية السعودية؛ ولا شك أن في هذا ما فيه من التطور. إلا أنه في نفس الآن من التناقض الصارخ بمكان بما أننا، بالرغم من ذلك، نحكم بتجريم المثلية باسم الدين؛ فإذا كان ذلك كذلك، فلم لا نفعل عمل السعودية وإيران ؟
إن هذا التناقض يضعف موقفنا في نفس الوقت الذي يهتك فيه سماحة ديننا. فإما هذه القوانين إسلامية، ولا مجال عندها إلا أن نتصرف كداعش مثلا، فنهوي بالمثلي من شاهق، أو نسفك دمه كما هو الحال بالبلدين الآنفي الذكر؛ وإما هي ليست إسلامية - وهذا هو الصحيح -، وعندها لا مجال لإبقائها على حالها بمجلاتنا القانونية !
ولم يعد اليوم بد من التنديد بما تفعله الدول الإسلامية التي تقتل باسم الإسلام بتعلة عمل قوم لوط لأن الضرر الذي تأتيه للدين يضر عموم المسلمين؛ فهي بذلك ترتكب جرائم ثلاثة : الأولى في حق البريء المقتول، والثانية في حق الإسلام، والثالثة في حق المسلمين في العالم أجمع.
فبعد مذبحة أورلاندو، من واجب السلط بالمغرب وتونس وبكل بلد إسلامي يريد حقا الدفاع عن الحنيفية المسلمة الانتباه لهذا والعمل على الدفاع الحقيقي عن الدين القيم. ولا يكون هذا اليوم إلا برفع التجريم للمثلية وقد ثبت بما ليس فيه أي شك أنه من رواسب الإسرائيليات في إسلام يحترم الفطرة البشرية، علاوة على أنه من مخلفات الإستعمار.
لا مناص إذن من الاعتراف بأن الإسلام لا يُحرّم ولا يُجرم المثلية أو المماثلة في تعبيرها الأصح. فإن تغيّر الأمور اليوم نحو نبذ كل ما من شأنه فضح المثلية ليس إلا من باب العودة إلى المفهوم الصحيح للجنس الذي عرفناه عند العرب ولم يتغير عند الشعوب العربية، هذا الجنس التمامي الذي نخصص له طرح اليومية الموالية.
للمزيد
فرحات عثمان، في تجديد العروة الوثقى 2 : حقيقية اللواط في الإسلام، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2014
Farhat Othman, Pour le renouvellement du Lien indéfectible 2 : L’homosexualité en islam, Casablanca, Afrique Orient, 2014.
Farhat Othman, Ces tabous qui défigurent l'islam, tome 2 : l’apostasie et l’homosexualité, Paris, L’Harmattan, 2015.
نشرت على موقع أنباء تونس