يوميات رمضانية
4
الدعوى للخلافة دعوة للباطل
قبل يومين من بداية شهر رمضان المعظم، كان من المقرر انعقاد المؤتمر السنوي لحزب لا مكان له لا في بلاد الإسلام التنويري الصحيح ولا بتونس التي كرّست دستوريا مبدأ الدولة المدنية كما تقتضيه قراءة صحيحة أصيلة للدين القيم.
وإنه لمن المفارقات الغريبة أن يتواجد على الساحة السياسية مثل هذه الحزب الذي ينعت نفسه بالتحرير ولمّا تحرر بعد من خُلفه في الأخذ بالإسلام والعمل به، إذ بقي فكره متحجّرا كصنم في دين حطّم كل الإصنام.
فهو يقول بالخلافة التي انقضى زمنها مع انقضاء الرسالة وانتهاء الوحي بوفاة الرسول الكريم كما نبيّنه في ما يلي. لذا حال حزب التحرير اليوم كحال الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك الذي كان كسائر خلافاء بني أمية، بل كل الخلفاء، يدّعي خلافة الله لا الرسول؛ فقد هام بجاريته حبابة، فلما ماتت بغتة رفض دفنها وبقي متعلقا بجيفتها طويلا.
هذه حال حزب التحرير اليوم بدون أدنى شك، إذ هو يترك لب لباب الإسلام للتعلق بما ليس فيه ومنه، بل مما داخله فشانه. ولعلنا لم نكن نلتفت لمقولة النوكى هذه التي يلوكها لو لم تكن لها تداعيات خطيرة، إذ تنامت الأنباء أن السيد كمال الجندوبي، الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، تلقّى أخيرا تهديدات بالقتل. وذلك طبعا لموقفه الشجاع في رفض ابتذال القانون بمساندة قرار وزير الداخلية ووالي تونس في منع مؤتمر هذا الحزب الضال والسعي لإيقاف عمل كل جمعية تنشط خارج القانون خدمة للإرهاب المادي والذهني ببلدنا.
فهي ذي قيم الجمهورية والدولة المدنية تُداس فتنتهك في نفس الوقت صفوة تعاليم الإسلام التي هي التسامح ونبذ الكراهة والقبول بالآخر المختلف، أيا كان وأيا كانت أفكاره، شريطة احترام مبدأ الغيرية الذي قدّسه دين القيمة أيّ تقديسٍ.
وطبعا، احترام الاختلاف لا يتم في همجية وعنجهية، بل في نطاق القانون غير الجائر. إلا أننا للأسف، وباسم حرية الرأي، نرى الدوس الصارخ لما يضمن حرية الرأي، أي عدم الدعوة لانتهاك ضماناتها، دستور البلاد والمباديء التي فيه، المكرّسة لهذه الحرية من خلال الدولة المدنية.
ولا شك أن مثل هذه اللخبطة القيمية جد فظيعة عندما تأتي ممن كان للبلاد رئيسا، أي مسؤولا على احترام القوانين بها، أو ممن مسؤوليته السهر على تطبيق القوانين، مثل القضاة، إذ تجرأت جمعيتهم بتهجين قرار المنع بعد أن أخطأ القاضي الإداري في تقييم الوضع فألغى القرار السياسي المانع لانعقاد مؤتمر غوغائي.
لكل هؤلاء، نقول هنا أن الخلافة ليست من الإسلام في شيء؛ ففكرة الخلافة الإسلامية خُلف، إذ هي تناقض أصول الإسلام الصحيحة فتعارض روحه ونصه. وقد عمل أعداء الإسلام على فرضها على الواقع الإسلامي بإسقاطها عليه إسقاطا فنجحوا أي نجاح بما أن عملهم التخريبي يأتي اليوم من لدن من يدّعي الإسلام؛ وهذه الخلافة الداعشية المزعومة أفضل الدليل على ذلك.
كيف يُعقل إذن أن نقبل بحزب في تونس يدعو للخلافة؛ أليست هي دعوة صريحة لداعش ؟ إنها، على كل، دعوة للباطل لا للإسلام الصحيح كما نبيّنه في هذه المقالة.
حقيقة الخلافة المشروعة في الإسلام
الخلافة الوحيدة المشروعة في الإسلام هي خلافة الرسول الكريم، إذ هي خلافة الله في الأرض؛ أما الخليفة الراشد الأول، فقد كان الأول والأخير لخلافة الرسول، بما أن من عُد لفترة زمنية قصيرة الخليفة الثاني، أي عمر الخطاب، عدل عن لقب خليفة خليفة رسول الله واختار عوضه أن ينعت بأمير للمؤمنين.
وهذا دليل واضح على انتهاء خلافة الله في الأرض مع الرسول. مع الإشارة إلى أن هناك من المؤرخين من يشكك أن خليفة رسول الله الأوحد اتخذ حقيقة وفعلا هذا المسمّى!
فالفصل في الإسلام واضح لا غبار عليه بين السلطة المدنية والسلطة الدينية؛ إذ الدين للحياة الخاصة والدنيا لأهلها. بهذا، كان الفاروق رئيس الدولة ما إن قامت دولة الإسلام؛ أما كان من سلطة الدين، فقد توزعت في الحقيقة بين عموم المسلمين ومن بينهم أهل الحل والعقد والمشورة ببلاد الإسلام كلها لا فقط بمنطقة النفوذ السياسي.
ففي دولة الإسلام الأولى، لم يكن رجال الحكم والتسيّس رجال الدين، حتى وإن كانوا منهم أيضا؛ ذلك أنهم لم يمثلوا الدين في شيء، إذ تركوه لأهله، أي للفقهاء، وما كان هؤلاء من أهل السياسة.
فكان الحال أن الحاكم في عهد من سمّوا غلطا بالخلافاء الراشدين يسهر دوما على القيام بمهامه المدنية دون إدخال الأمور الدينية فيها؛ وعند التعرّض لأمور الدين، يقع الالتجاء للتشاور مع علماء الملة وفقهائها، بمقتضى العنصر الأساسي للدين الإسلامي الذي هو الشورى.
ولعل أكبر دليل على أن هذا النمط السياسي لم يُعمل به حقيقة بعد الفاروق عمر، رغم أنه الفهم الصحيح للدين، محاولة عمر الثاني العودة إليه؛ إلا أن السياسة ومصالح رجالها الضيقة أجهضت سريعا ما نواه من إحياءٍ لسنة جده أمير المؤمنين الأول.
التفريق بين المدني والديني إذن من ميزات الإسلام الأول. أما ما حصل تاريخيا من اتحادٍ في شخص الخليفة الأوحد لرسول الله للسلطة الدينية والسلطة المدنية، فقد كان ذلك من باب الاستثناء الذي يُحفظ ولا يقاس عليه، إذ كان بسبب حالة عابرة أوجدتها ظروف سياسية خاصة، هي الخطر المحدق بكيان الدولة الإسلامية وذاتيتها. هذا، إضافة إلى أن الدولة لم تتأسس بعد، بما أنها كانت في طور نشأتها.
لذلك، بعد أن استقر الوضع مع ما اصطُلح على تسميته بالخليفة الثاني، الذي كان في الحقيقة أول أمراء المؤمنين، تم التفريق بين سلطات الدولة الجديدة حسب منطوق الدين واندثار تعبير الخلافة اندثارا كان من شأنه أن يتم بصفة نهائية لو لم يفرض الأموين الملك العضوض في الإسلام.
نشأة خُلف الخلافة غير الإسلامية
إن التأسيس الحقيقي للخلافة الإسلامية بدأ مع معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية، هذا الملك الوراثي الذي لا يمت بصلة لروح الدولة الإسلامية.
لئن اكتفي في البداية باللقب الرسمي للأمير، فقد كان معاوية بحق الخليفة الأول في الدولة الإسلامية؛ ثم هو الذي مهّد لأن تصبح الخلافة لا لرسول الله، بل خلافة الله في الأرض! هكذا، وكأن لم يكن لهذه الأمة رسول!!!
فمؤسس السلالة الأموية سعى لفرض سلطته الدنياوية - ثم سار على هديه المقنن الرسمي لفكرها، عبد الملك بن مروان - على العودة إلى تعبير الخلافة والتشريع لكونها خلافة لله لا لخلفاء رسول الله؛ فعمل حثيثا على تسخير الفقهاء لأغراض السياسية بأن اشترى ذممهم بجميع الوسائل.
بذلك، ظهرت نظرة مستحدثة للحكم في الإسلام من خلال استنباط جديد للخلافة، لم تكن فقط لحكم بني مروان، بل أسست لنظرية السياسة في الإسلام. فمن ذلك الوقت أصبح الحكم المتجبّر الجائر في ملّتنا القاعدة، مخالفا بذلك أحكام الدين الحقيقية التي حاول التذكير بها مخالفو الأمويين، من الشراة مثلا، الذين شرّعوا للجهاد داخل حمى الإسلام للدفاع عن نزعة الإسلام الديمقراطية.
وكان ذلك شأن كل من جاهد الملك العضوض والحكم الجائر في الإسلام؛ مع العلم أنه ما تمسّك ولا واحد من زعماء الخوارج، بلقب الخليفة، فكانوا أمراء للمسلمين المؤمنين.
ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى أن عبد الله بن الزبير، عندما نازع الأمويين السلطة واستقر بمكة، لم يدّع كذلك الخلافة، بل التزم بسنة سلفه الصالح عمر. وكيف لا يكون ذلك وقد كانت دعوته صراحةً العودة إلى نقاء الإسلام؟
وطبعا، سار بنو العباس على نهج الأمويين، فكانت الخلافة العباسية من نفس نمط الأسرة الحاكمة التي سبقتها، إلا في الاعتماد المفرط على غير العرب لتركيز شوكتها، حتى أنه يُروى عن المؤسس الأول دعوته إلى عدم التردد في قتل كل من تكلّم العربية لخوفه من أن يخرج الحق من فمه. ونحن نعلم أن لقب الخليفة العباسي الأول هو السفاح، فكان سفاحا حقيقة بأعدائه، وخاصة العرب المسلمين منهم، لا لشيء إلا لكونهم كانوا، أولا، عماد الدولة السابقة ثم كانوا، ثانيا، يفقهون دينهم، مما شأنه ولا شك معارضة طموحات بني العباس السياسية باسم الدين.
تواصل الأمر كذلك مع الفاطميين، ومع الأمويين بالأندلس، مع الملاحـظة أن أمراءها لم يستعملوا اللقب إلا في زمن عبد الرحمان الثالث، وهو زمن الذروة لحكمهم وفي الوقت نفسه كان له بداية النهاية.
ثم، لما أحيا بنو عثمان الخلافة باستحواذهم عليها ببابهم العالي، تم ذلك لا لأعلاء الدين بل لتمجيد الذات وإحكام التسلط على رقاب المسلمين بواسطة هذه الخديعة، إذ هي مجرد وسيلة لمغالطة الناس. فلما اندثرت الخلافة الإسلامية المزعومة بعد غزو المغول، لم يكن يخطر ببال من ابتغى إحياء هذه المؤسسة التوشح بلقبها أو أنه لم يفعل ذلك بالاكتفاء بمجرد ذلك اللقب لعدم الاجزاء للغرض المراد.
فالموحدون تسمّوا باسم أمير المومنين؛ واستعمله الحفصيون مع إضافة لقب الخليفة، فكان زعيمهم الخليفة أمير المؤمنين في نفس الوقت؛ وذلك إن لم يكن من الحشو والإطناب، فهو لعدم كفاية الحرف الأول لإيراد المعنى الذي لا يستقيم إلا بالثاني، فهو له صفة لا نعتا.
ثم إن الظاهر بيبرس، وهو من المماليك، أي ممن استحوذ على الحكم خلافا لما يقرّه الشرع الإسلامي، أحيا الخلافة لأسباب سياسية؛ وقد انتهى أمر آخر هؤلاء الخلفاء المزعومين من بني العباس بسجن الآستانة عندما تسلط على اللقب السلطان العثماني سليم الأول، مما يدل مرة أخرى على أن الخلافة في التاريخ الإسلامي ظلت مجرد لقب سلطنة في غير موضعها.
وهذا اليوم ملك المغرب الأقصى لا يدّعي الخلافة مع تمسكه بلقب أمير المؤمنين و بالأصول الشريفية. فإن كان حقا لهذا اللقب القيمة في الدين والبعد الذي يريده له حزب التحرير، هل كان ذلك يخفى على ملك البلاد الشقيقة وهل كان يترك الخلافة؟
إلا أنه، طبعا، لم يتركها أهل الإجرام من داعش وتوابعها !
لذلك، لا يخفى اليوم أن الخلافة هي فقط في فيه بعض الساسة وأشباه الساسة ممن يدجّل على الإسلام؛ فهي مجرد دعوى حق يراد به باطلا، أي خُلف الخلافة كنموذج للحكم فيه التوظيف الفاحش للدين للأغراض السياسية واستغلاله لمصالح الساسة الدنيوية.
المعنى الصحيح للخلافة في الإسلام
إن الخلافة في مفهومها الديني الحقيقي هي خلافة الإنسان لله في الأرض. ولعله من الممكن لنا القول دون إجحاف بأن هذه الخلافة هي من باب الأحكام العينية؛ فكل مسلم مؤمن هو خليفة الله في أرضه، وذلك بعمله وحسن خَلقه وخُلُقه وتمسكه بأحكام دينه في روحها السنية. فهو يُصلح ولا يُفسد، ويُقيم الدين بالمثل الأعلى ومكارم الأخلاق التي جاء الرسول الأعظم لتتمّتها، ويكون ذلك دوما بالتي هي أحسن.
والتي هي أحسن اليوم تكمن في التسامح واحترام حريات الآخر، كل حرياته ومشاربه، لأن الدين الإسلامي حرية وسلام ! ذلك أن الله وهب الإنسان ملكة العقل التي تمكّنه من التمييز بين الخير والشر، سواء بنفسه أو بالاقتداء بمثل غيره ممن له تجربة جادة في الحياة أكبر. ولا شك أن هذا هو الذي أهّله لتحمل الأمانة، بما فيها أمانة الله على محبة خلقه، كل خلقه.
فرسول الإسلام، وهو سيد الناس في العالمين، أول خليفة لله؛ وكل مسلم عارف بدينه، بار بتعاليمه وسنة رسوله، هو خليفة رسول الله في دينه بالقيام بإعلاء شأنه والعمل على احترام روحه النيّرة، يحرص على أن يكون الإسلام ديننا الأزلي الصالح لكل زمان ومكان. فلا مرجعية البتة لحوزة علمية معصومة ولا لكنيسة عَقَدية في دين الإسلام !
ولا شك أنه من المفيد التذكير هنا، وقد سبق أن ألمعنا إليه في يومية سابقة، أن أصحاب المذاهب الإسلامية كانوا يعتبرون مذاهبهم مجرّد اجتهادات يمكن للمرء فيها الإصابة كما يمكنه الخطأ؛ ويبقى الباب مفتوحا على مصراعيه لكل مجتهد عرف دينه وخلصت نيته. فلا واسطة بين المسلم وربه ولا وساطة ولا وصاية !
وبعد، إن الخلافة هي أيضا، لغويا لمن عرف لغته العربية، الإمارة؛ وهذه تعني الحكم؛ ولا خاصية دينية لخلافة هي إمارة وسلطان. وقد حاول البعض تبرير المفهوم المغلوط للخلافة، كما يفعل ذلك اليوم بعض أهل المشرق الغاوي، بأن قال - رُوي ذلك عن الزجاج، عالم النحو واللغة المشهور وصاحب معاني القرآن -، أنه من الجائز القول للأئمة خلفاء الله في أرضه لكلامه عز وجل: «يا داود، إنا جعلناك خليفة في الأرض» (سورة ص، الآية 26)؛ كما قال غيره : الخليفة هو السلطان الأعظم.
في الاتحاد المنفصل بين السياسة والدين
إن من أمارات عودة الحق على الأرض، حسب ما ثبت من علوم الإسلام، بروز المسيح الدجال؛ ولا شك أن الدجل والتدجيل، سواء كان في صفة مسيح كاذب أو غيره ممن يجعل الدين مطية لأغراضه الدنياوية، أصبح اليوم في الإسلام أفضل مرتع للأهواء ولسياسة النيات السيئة.
فهذه اليوم خلافة مزعومة لخليفة دجال يجعل من كلمة الحق الباطل الذي ينوي به جزافا هدم صرح الإسلام المنيع. ذلك لأن لهذا الدين الحنيف أهله الصرحاء، الطلقاء من الغش والتلاعب بالذمم.
ولا شك أن الحق اليوم، بصفة ما يسمّيه أهل التصوف الأبدال، على مشارفنا للتصدي لمسيح الإسلام الدجال، الخليفة المزعوم، إذ لا خليفة بعد رسول الله ولا خليفة مع وجود أمير للمسلمين رضي به المؤمنون، سواء حمل هذا المسمّى أو غيره، كالرئيس مثلا.
إن الخلافة المزعومة لها أنصار ولا شك لأنها تبني دعواها الخاطئة على مباديء صحّت في أصولها وإن غوت فتهافتت في فروعها وفي تطبيقاتها. والأمور بخواتيمها والحق بتجلياته.
فكل دعوة عدوانية إلى إسلام مُحرب تعتدّ بحال المسلمين المتردية ويردها إلى هيمنة الآخر عليهم وعلى عقولهم ومعيشهم. وهذا، وإن كان صحيحا، ليس بالعلة التي يأتي منها الداء، إنما هي من الأعراض؛ أما جوهر العلة وأساس الداء فيها، ففي ما اعترى عقيدتنا من شوائب تسرّبت إليه من عادات وتقاليد غريبة على روح الإسلام ونصه، هي مما سمّاه المؤرخون إسرائيليات؛ وقد عرفنا مدى تغلغلها في المجتمع الإسلامي وفي الفكر العربي الإسلامي.
والتاريخ يبيّن لنا أن الذي ألغى حقيقة الخلافة ليس مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924، فقد ألغت نفسها بنفسها من قبل منذ أمد طويل!
لقد كانت الخلافة ولازالت منذ نهاية العهد الراشدي، وحتى قبله مع انقضاء عهد عمر والسنوات الأولى الست لحكم عثمان، مجرد مسمى لا مغزى ديني له ولا هدف إلا دعم السلطة السياسية باسم الدين؛ بينما الأصل أن الدين والسياسة شيء واحد في اتحاد منفصل كالروح والجسد، لا مجال لغلبة الواحد على الآخر وإلا كان الفساد لكليهما. لذلك اندثرت في عيون المسلمين الحقيقيين؛ ولولا المطامع السياسة لما عاد لها أثر بعد اندثار العين.
أما إذا كان من الضروري، في العلاقة بين الدين والسياسة، أن يدعم الواحد الآخر، فالأولى والأحرى أن يكون ذلك من السياسة للدين لا من الدين للسياسة بأن تكون السياسة أخلاقية. ذلك لأن السياسة من كسب الإنسان واجتهاده، وقد أكّد الله على هذا، ولها أن تعمل لأن يكون الدين في بعديه الأساسيين، أي علميته وكونيته، الدين الأزلي للبشرية جمعاء.
وهذا لا يكون إلا بسياسة فهيمة، محنكة وفطنة، تفهم الدين على حقيقته فلا تتلاعب بروحه المقدسة، إذ واجبها أن تكون أخلاقية كالدين الذي تجعل منه مرجعيتها.
نشرت على موقع أنباء تونس