حول بيان القيروان : هل يكفي الاستنكار لتنزيه الإسلام من الإرهاب الذهني؟
أصدر حفظة القرآن المجتمعون بالقيروان يوم الإربعاء، نهار السابع عشر من رمضان، بيانا سمّوه « بيان القيروان ليلة نزول القرآن »؛ مع العلم أن تاريخ نزول القرآن ليس من المتفق عليه قطعيا عند أهل العلم في الإسلام.
الكيل بمكيالين
جاء في هذا البيان استنكار هؤلاء الحفظة لما سمّوه محاولات ترمي إلى ربط الإسلام بالترويع والتخويف والإرهاب الإجرامي، معلنين رفضهم كلّ الصّور النّمطيّة التي تستهدف تشويه سمعة هذا الدين الحنيف.
لسائل أن يسأل هنا : هل هذه المحاولات التي يندّد بها الحفظة لا تستند إلى واقع محسوس وحقائق دامغة لا فقط من أعداء الإسلام، بل هي أيضا ممن يدعي الدفاع عن الدين القيّم؟ هل يكفي التنديد بالأولى وتجاهل الثانية، وهي أعتى وأنكى للإسلام وسماحته؟
أليس من الكيل بمكيالين تجاهل دعوات البغض واالكراهة من الفقهاء والأئمة أنفسهم للاكتفاء بادانة البعض فقط من ظواهر الاعتداء على الإسلام دون المساس بالأصل؟
ضرورة إدانة الإرهاب الذهني
لقد أدان الحفظة الإرهاب بكل أشكال ومظاهر الإرهاب مهما كانت بواعثه وأسبابه، معتبرينه تهديدا خطيرا للإنسانيّة وللأمن والسلم الدولي. وهذا ولا محالة مما يثلج القلب لو تبعه الفعل والعمل على تفعيله في الواقع اليومي.
إلا أن الواقع لعلى سنوات ضوئية من مثل هذه التصريحات التي لا تعبّر في أفضل الحالات إلا على نيات ليست حسنة كل الحسن؛ فهي مثل تلك العقود التجارية التي نرى فيه الفصول الجائرة تُكتب بخط لا يُرى وفي مكان خفي يجب الانتباه إليه حتى لا ينخدع المرء؛ وقد قال المثل الفرنسي أن سبيل جهنم معبدة بالنيات الطيبة.
فلا شك أن كتاب الله هو كتاب هداية ورسالة سلام وأمان وتسامح واعتدال، وهو قادر بمضامينه ومبادئه وقيَمه على تحصين الأجيال القادمة ضدّ كل أشكال الانحراف والتطرف كما يقول مجمع الحفظة بالقيروان. إلا أن هذا لا يمنع أن هناك من يستعمله لا للقتل فقط، بل لنبذ الآخر المختلف الذي لا يفسد في الأرض. وقد رأينا من الأئمة من يهاجم المفطرين والمثليين بتونس فيمنعهم من حرياتهم بينما لم يأتوا ما يخالف الدين في حقهم في الحياة الآمنة بكل حرية ودعة.
ألا يتم ذلك باسم الدين؟ فما يقول فيه حفظة القيروان؟ هلا نددوا بهذا الإرهاب الذين أيضا حتى يكون كلامهم صادقا صدوقا لا كاذبا مداهنا؟ فالإرهاب الذهني لأشد ضررا من الإرهاب المادي لأنه يمهد له السبيل، فهو التيرب له!
إضافة الفعل للقول، وإلا كان كلامنا نفاقا
ما دام أهل الإسلام لم ينددوا بأقوال وأفعال من يظلم الناس في حرياتهم ممن لا يصوم أو من يحيا حياته الجنسية كما جعلها الله فيه، كيف نصدقهم عندما يقولون أنّ من يقرأ ويحفظ القرآن ويتدبّر معانيه لا يُمكن أن يكون عنيفا ولا لعّانا ولا متنطّعا، وأنّ حافظ القرآن هو راقي السلوك، وسليم الوجدان ونظيف الفكر؟
فهذه الأئمة التي تدرّس القرآن وتحفّظه هي التي لا تعطي المثل الأسنى لاحترام الغير والآخر المختلف؛ أين نحن من واقع مرير يتجاهله من يدعي الدفاع عن القرآن وهو يخادع؟ هل الدين المخاتلة؟
نعم، كما يقول حفظة القرآن بالقيروان، إن الإنسانية تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى اجتثاث أسباب الصراع، ودواعي الفتن، وإلى مواجهة التطرّف العنيف الذي لا يهدد المسلمين فحسب، بل يُهدّد البشريّة جمعاء بإحلال منطق القوة بَدَلَ قوة المنطق.
إلا أن هذا يقتضي أن نغير نظرتنا للإسلام وقراءتنا لتعاليمه من نظرة كره للآخر المختلف وقراءة متزمتة إلى نظرة حب وقراءة إناسية؛ فلا بد من إضافة الفعل للقول وإلا كان كلامنا مجرد نفاق.
بهذا فقط تتظافر الجهود الخيّرة والعزائم الصادقة للقضاء على هذه الظاهرة واجتثاث جذورها وأسبابها. ولا يكون ذلك إلا بنشر القيم الصحيحة للإسلام السمح الرامية الى تحقيق السلام والوئام والضامنة للوفاق وللتعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات.
فهل من الإسلام تجريم المثلية أو الإفطار في رمضان أو تجريم استهلاك الخمر أو حتى القنب الهندي ما دمنا لا نحرم ما هو أض للصحة، أي التبغ؟ فأين العدل الإسلامي؟ وهل من النزاهة السكوت عن انغلاق باب الجهاد الأصغر في الإسلام وبقاء الجهاد الأكبر فقط به؟ أين التقوى الصحيحة في مثل هذا النفاق؟
لذا، كما أهاب مجمع القيروان بالقادة وأهل الفكر والسياسة وعلماء الدين والمثقفين أن يعملوا على إشاعة ثقافة السّلم ونشر قيم الحوار التي تُفضي إلى التلاقي وتفتح سبل التعاون والتضامن، أهيب بهم ليفعّلوا هذا على أرض الواقع حتى لا يكونوا منافقين.
مثلا، هذا يكون بالدعوة حالا ودون تردد للسماح لمن يرى الإفطار علنا أن له ذلك في دين الإسلام الصحيح؛ و لتحقيق المساواة في الميراث، ما دام هناك المشروع في الغرض أمام مجلس النواب؛ ولإبطال تجريم المثلية ما دام الأمر أضر بالعديد من الأبرياء ومهد لجرائم عدة في حق الإنسانية جمعاء.
بمثل هذ من الإجراءات، وهي غيض من فيض مواضيع من المسكوت عنها من شأنها اجتثاث الإرهاب من العقول، ننجح في التعريف بالصورة المشرقة للإسلام الحنيف، والى مزيد العمل على إبراز قيمه، التي ليست هي وسطية ومعتدلة بقدر ما هي ثورية في نبذها لكل ما تحجر في العقول.
كفانا، يا أهل الإسلام، مخاتلة ونفاقا وتجارة خاسرة لدين أنتم تضيّعون صفوة صفوته، فإذا هو هذه الدعدشة المقيتة التي ستجعله لا محالة يعود غريبا كما بدأ وكما حذر منه سيد الآنام !
نشرت على موقع أنباء تونس