في مشروعية المساواة في الإرث دينيا ودستوريا
أحدث مشروع المساواة في الإرث ضجة لا خير فيها ولا فائدة، لأن مشروعية المساواة لا تشوبها شائبة وذلك سواء من الناحية الدينية أو الدستورية رغم مقولة المتزمتين من المسلمين الداعين لسحبه.
نعم، لم تكن المبادرة بدون حسابات سياسية وأيديولوجية* مما جعل المشروع لا يحصل على مساندة من عُرف بمطالبته بالمساواة حتى لا يقع في فخ من سعى للمشروع.
لهذا دعونا الحكومة لعرض مشروعها الخاص** تطبيقا للدستور حتى تخرج هذا المطلب من خانة الحسابات الضيقة وتجعل منه استحقاقا للديمرقاطية الناشئة بتونس وللمرأة بها لأن مشروعية المساواة واضحة. فعرضنا عليها المشروع الملحق بهذه المقالة وهو يحترم الدين والقانون ومن شأنه التطبيق بدون تعطيل.
إذ لا بد أن يعلم أهل التزمت أن الإسلام دين ودنيا، والاجتهاد فيه واجب في أمور الدنيا؛ والميراث منها. وقد اجتهد السلف في العديد من أمور الدنيا ولم يلتزم بحرف النص بل اعتمد على مقاصد الشريعة، فهلا فعلنا مثله؟
أما من ينفي حق مناقشة النص القرآني الثابت الدلالة في «وللذكر مثل حظ الأنثيين»، فنسأله : هل ينفي أن العديد غيرها من الثوابت تم نقاشها وطرحها؟ وأنا أكتفي هنا بواحدة من هذه الثوابت وهي «والسارق والسار فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا»! فكيف لا نقطع اليوم أيدي السارق والسارقة والنص ثابت الدلالة؟ أليس الميراث مثل هذا النص من القطعيات، تلك التي قيل أنه لا مجال للإجتهاد فيها ؟
إن من يرفض الاجتهاد اليوم، وهو لب لباب الدين، ليفعله باسمه الخاص ولمنفعته الذاتية أو لمنفعة رب نعمته، لا باسم الدين ولمنفعة العباد؛ لأن الإسلام ثورة مستدامة ولا يمكن له أن يكون كذلك إلا بدوام الاجتهاد حسب مقاصد الشريعة لا الحرف والنص.
فنحن إن نفينا الاجتهاد من الإسلام عجلنا بغربته، فالإسلام اجتهاد أولا وقبل كل شيء ولا بد له من التطور في مجال المعاملات، حيث لا قطعيات في مسائل الدنيا، بل هي في العقيدة فحسب.
إن موضوع الإرث ليس من العقيدة، بل هو من أمور البشر التي تركها الله ورسوله لعباده يرون فيها برأيهم حسب اجتهادهم؛ لذلك وجب الحديث في المساواة بين الرجل والمرأة بل وإقرارها بدون تأخير إذ مشروعية المساواة ثابتة دينيا ودستوريا.
في مشروعية المساواة دينيا :
لقد اعتدنا مواقف المتزمتين الرافضين لحق المرأة في المساواة؛ أما أن تطالعنا الأنباء برأي يذهب مذهبهم من طرف المفتي الحالي، أو من وزير سابق ينادي بسحب مشروع القانون لأنه يخالف الدين حسب زعمهم، فهذا ما لا يجب السكوت عنه.
إن الدعوة في أن إقرار المساواة في الإرث تمس بنص قرآني، بل وتنهكه، خاطئة وغير مشروعة. فليس في هذه المقولة بتاتا أي شيء من الصحة، إذ المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة هي حقيقة مطابقة لمقتضيات الإسلام ومقاصد الشريعة.
بل إنه يمكننا القول أنه ليس احترام الإسلام اليوم إلا في إقرار المساواة التامة في الإرث بين الجنسين؛ فالحالة الراهنة في انعدام المساواة هي التشويه الفظيع لما جاء به ديننا من رفع لقيمة المرأة إلى حد أنه فرض لها ما لم تكن تطمع فيه في زمن لم يكن لها فيه أي قيمة.
أما من يعتقد من الفقهاء أن عدم المساواة هي من القطعيات وأن النص الذي ورد في القرآن مما لا يجوز تجاوزه ليفحش في الغلط في حق الدين، الذي هو أساسا دين العدل، لأنه عندها لا يحترم بتاتا روح هذا النص ومقاصد الشريعة التي نوت الإنصاف في حق المرأة معترفة بقيمتها ومساواتها الكاملة للرجل في مناسبات عدة وفي زمن ومجتمع ذكوري محض.
فمن يقول أنه لا يمكن إلا القبول بالنص الذي يفرص نصف حظ الرجل للمرأة كما هو لا يأخد بالدين الإسلامي الحق إنما بقراءة لا تمت لروحه لأنها من الإسرائيليات التي داخلت الإسلام والتي فيها قداسة النص مادية، تجعله هيكلا بلا روح ولا مقاصد.
ولا مرية أن هذه هي المسحة الطاغية إلى اليوم على فقهنا الذي تجاهل في ميدان الميراث مقاصد الشريعة في المساواة التامة بدون تمييز بين الذكر والأنثىى في كل شيء.
إن النص القرآني الحالي، بدون أدنى شك، كان خطوة أولى وثورية بالنسبة لعصره جاءت بفتح عظيم للمرأة أراده الله أن يتم على مراحل كما هي القاعدة في الوحي والتشريع الإسلاميين؛ ففي هذا الغرض، ترك الله للمؤمنين مسؤولية إتمام هذا التوجه بعد أن بين المبدأ، وهو العدل والإنصاف والمسار، وهو تمام المساواة في الأنصبة.
فإن كان العدل في ذلك الزمن إعطاء المرأة نصف نصيب الرجل، ولم يكن لها أي قيمة، فمن باب أولى أن يكون اليوم نفس النصيب نظرا للقيمة التي أصبحت لها. وقد ترك الله مسؤولية تحقيق مقصد الشريعة هذا للمؤمنين، لأن الإرث من أمور الدنيا وللبشر السعي للاجتهاد فيها كما علّمهم الله وعلى هدي تعاليمه؛ وهي هنا في الرفع الأسنى لقيمة المرأة والمساواة التامة مع الرجل في كل شيء بما في ذلك الميراث.
في مشروعية المساواة دستوريا
لا شك أن الدعوى للمساواة في الإرث هي أيضا مما يحتمه تطبيق الدستور التونسي الجديد الذي سوّى بين الجنسين في جميع الميادين، فلا مجال لحذف ميدان الإرث.
طبعا، سيقول المتزمتون أن الدستور يحيل للإسلام وأنه من الواجب احترام تعاليمه. وهم في ذلك يغلطون مرتين، إذ بينا أولا أن احترام الدين الصحيح هو في تطبيق المساواة.ثم نبيّن ثانيا أنهم يخالفون الدستور الذي فرض أيضا الدولة المدنية. فأين هي إذا اعتمدنا الدين لاستنباط القوانين؟ هل أصبحت البلاد ثيوقراطية؟ هذا إضافة إلى أننا لا نطبق الدين بل نمسخه في مقاصده فنهينه ونهين الدستور الذي يحيل إلى ما صح منه لا ما فسد.
إن احترام الدستور يقتضي اليوم أن تعجّل الدولة بإبطال كل القوانين المخالفة لأحكامه، ومن بينها، لا محالة، عدم التساوي في الميراث.
لهذا، لئن حدث وسحب صاحب المشروع ما عرضه، ما دام الرأي السائد عند غالبية المنادين بالمساواة هو أن مبادرته ليست إلا مجرد مناورة سياسية، فلا بد أن تقدّم الحكومة مشروعها الخاص لإقرار المساواة عملا بمبدأ ضرورة احترام الدستور والمشروعية الدستورية وإحياء الإسلام الصحيح ورعاية حقوقه لا مسخها بجعله ديانة متوحشة غير عادلة.
وبما أننا عرضنا سابقا مشروعا في هذه الصدد، فها نحن نذكّر به الحكومة هنا إذا حصل ما لا يُستبعد من سحب لمشروع القانون المعروض حاليا.
مع العلم أن ميزة ما كنا عرضنا ونعرض مجدّدا هي حرصه على انتهاج التدرج على هدي ديننا دون أي تشدد ولا انتقاص من هيبة تعاليمه ولا من حرية المسلمين في القبول أو رفض تحيين النص الديني حسب روحه ومقاصد الدين السنية.
فهذا المشروع لا يقتضي إقرار المساواة في الإرث إلا لمدة زمنية وحسب رغبة الممعنيات حتى يكون القبول به فرض نفسه في نهايتها ووقع التدليل عليه؛ وبانعدام ذلك تقع العودة للعمل بالنص الحالي.
وهذا لعمري مما يتناسب مع منهجية القرآن في التدرج في أحكامة والتعويل على حرية العبد في تصريف أموره مع ترك تمام الحق للمؤمن في فهم دينه في جانب المعاملات به حسب ما يصلح به دنياه.
مشروع قانون حكومي بديل
في إقرار المساواة في الإرث بين الجنسين
اعتمادا على التأكيد الدستوري للمساواة التامة بين المواطنين،
واعتبارا للدور السني للمرأة في المجتمع المغربي وحقها في المساواة مع الرجل،
ونظرا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي شرّفت المرأة فأعلت من شأنها في نطاق توجه مرحلي تقدمي جاء متناغما مع وجهة التاريخ والمنظومة العالمية للقيم الإنسانية؛
فإن مجلس النواب يقرر :
لمدة سنوات عشر ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ يقع رفع تطبيق القاعدة الحالية التي تمنح للوارث الذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك كما ورد بمدونة الأسرة.
خلال هذه العشرية، عدا حالة الرفض الثابت من المرأة الوارثة، فإنه يقع تمكين المرأة مثل حظ الرجل في الإرث ليعادل نصيب الأنثى نصيب الذكر الوارث.
وفي نهاية فترة العشر سنوات من تطبيق هذا القانون يقع إقراره نهائيا أو إبطاله بعد تقييم مستفيض لتطبيقه خلال المدة المعنية.
تتم دراسة التقييم من طرف مجلس النواب قبل نهاية عشرية التطبيق لهذا القانون حتى يقع إثباته نهائيا أو إبطاله.
* انظر بالفرنسية :
** انظر بالفرنسية :