هل كلام الغنوشي من الجعجعة التي لا نرى لها طحنا !
تداولت وسائل الإعلام نص رسالة راشد الغنوشي التي تقول، حسب عنوانها، باقتراب لحظة الفراق بين الغنوشي والإخوان السملمين.(1)
كما نرى، هي ليس القطيعة بعد، بل في أفضل الحالات بداية لها. فهلا قطع الغنوشي حقا كل علاقة بالإخوان وأعلن بكل وضوح انفصاله عنهم!
إنه لم يقل ولا يقول هذا إلى الآن؛ فمتى يقوله؟ وحتى يقول ذلك، أليس لمن يراقبه منذ أمد الحق في القول أن كلامه من المداهنة التي مارسها طويلا ؟
هل تتواصل المداهنة ؟
لقد كنت من الأوائل الذين توجهوا للشيخ برسائل عدة منذ سطوع نجمه على الساحة السياسية بالبلاد، فكانت رسائل نصيحة صادقة صدوقة ودعوة نزيهة للعمل بحسن نية.(2) وكانت منها حتى رسائل الحب(3)، لأن هذه البلاد في حاجة لهذا الإحساس النبيل أكثر من أي شيء آخر بين أفرادها رغم تعدد مشاربهم للعيش المشترك الآمن الأمين.
هذا مع العلم أن توجهي بالكلام لراشد الغنوشي كان في ذات الوقت الذي كنا نرى فيه من يمدحه اليوم ويمجد أفعاله ينتقده النقد اللاذع والجارح.
وها أنا اليوم أنتقد الغنوشي بعد أن بان لي عدم صدقه وقد كبرت الهوة بين الكلام المخادع والفعل المنافق بينما نرى أعداء الأمس يقومون بما سبقتهم إليه دون جدوى. فأنا اليوم أنتقد ولكن بعد أن نصحت وانتظرت الفعل النزيه، بينما من يمدح في يومنا هذا يكتفي بالرياء، فيمجد وقد كان يستهجن دون أي دليل.
لقد تعددت رسائلى للشيخ ولم يصغ إلى كلامي؛ فكان أن اقتنعت بعد لأي بعدم صدقه فانتقدته لأن الكلام بدون فعل ليس من النزاهة في شي، بل ليس من الدين؛ فهو في أفضل حال من الجعجعة التي لا ترى لها طحنا.
هل تغيّر حقا راشد الغنوشي ؟
نعم، بإمكان الشيخ فعلا كما يدّعي ذلك التغيّر من الأسوء إلى الأحسن، وأن يصبح كما يقول تونسيا قبل كل شيء؛ وكل مواطن غيور على بلدده لا يمكن له إلا أن يسعد بذلك.
إلا أن هذا لا يتم اليوم بجرد الكلام؛ فلا بد الآن من الفعل، خاصة وأن الكلام كان كثيرا منا ومنه، فإذا هو في النافخات زمرا من ناحيتنا، ومجرد مخاتلة ومداهنة من ناحيته. لا بد إذن أن يدلل الشيخ على صدق قوله بأفعال تبيّن حسن نيته فتزكي كلامه.
فلأذكّره مثلا أني أرسلت له برسالة مفتوحة على هذا الموقع (4) دعوته فيها لتمرير مشروعي قانون من شأنهما التدليل على حسن نيته من ناحية وخدمة دولة القانون والحق والعدل من ناحية أخرى، وذلك بالتعرض لهذا المسكوت عنه الذي لا بد من الخوض فيه، أي مشروع إبطال تجريم المثلية بتونس ومشروع المساواة في الإرث، لأن فيهما الخير العميم على المتخيل الشعبي واللاوعي الجماعى من شأنه رفع ما رسب فيهما من إرهاب فكري.
وها نحن نحتفل هذه الأيام باليوم العالمي لمناهضة كراهة المثلية، فليحييها راشد الغنوشسي بمساندة مشروع القانون الذي عرضته هنا وفي عدة وسائل إعلامية أخرى الهادف لإبطال الفصل 230 جنائي.
وها هو السيد النائب بن غربية يعرض مشروعا للتسوية بين الجنسين في الإرث؛ فليطلب من نوابه المصادقة عليه دون تردد. ولا فائدة في الحالتين التعلل بالدين إذ كنا بيّنا بما لا يدع للشك سبيلا أن الإسلام الإناسي لا يناهض المثلية وأنه أعلى من قيمة المرأة مما جعله يترك واجب تحقيق المساواة للمؤمنين الذين لا يشكون لحظة في أنه دين العدل؛ فهل يشك راشد الغنوشي أن الإسلام عدل ؟
ثم ها هو مشروع الحكومة القاضي بإصلاح القانون 52 المتعلق بالمخدرات بصدد الدرس بمجلس النواب، فليعمل زعيم الحزب الأقوى على رفع الظلم المسلط على شبيبتنا المقهورة لأجل تعاطيها، ككل شباب العالم، ما ليس ضرره أخطر من الدخان، أي القنب العندي ! ليجرؤ بمطالبة بالكف عن ظلم الناس وإبطال تجريم تعاطي هذا الذي ليس مخدرا حقيقة كما بينته كل الدراسات الجدية !
بمثل هذه المبادرات، وبمثلها فقط، يبين راشد الغنوشي أن كلامه ليس من باب استبلاه التونسيين والضحك على ذقونهم. فهلا فعل هذا ؟ وهلا فعله في أقرب وقت؟ كذلك يكون حقا كلامه غير جعجعة الجمل التي لا طحن لها !
الهوامش :
(2) انظر مثلا :
(3) انظر مثلا :