حادث راشد الغنوشي كان مدبّرا !
هذا ما قالته لي روح زكية في رؤيا عقب الحادث الذي تعرض له السيد راشد الغنوشي؛ فنحن نعلم أن الرؤيا حق في دين الإسلام. فهي رؤيا رأيتها، تكلم إليّ فيها سلطان مدينة تونس، سيدي محرز بن خلف، موجّا كلامه عن طريقي إلى الشيخ الغنوشي.
قال الولي الصالح :
هذا ما يقوله نصير المظلومين بمدينة تونس المؤنسة للعبد الفقير إلى ربّه راشد الغنوشي. إن الله وحده لهو الحريص على خير هذا البلد الآمن حيث تضم تربته الزكية آثار العديد من أوليائه البررة؛ فأرواحها هي التي ترعاه وترعى حقوق أهله بإذن من الله عز وجل.
والمقادير هي التي تسيّر الأمور كما تشاء بإذن العلي القدير، فلا حاكم إلا الله يهدي أو لا يهدي من يشاء وكما شاء وأراد، لا كما تشاء ساسة تقيم نفسها أنصابا وأصناما معنوية في دين حطّم كل الطواغيت. فمتى كان للعبد حق الانتساب لربّه وفي سعيه تجارة بالملة، يجعلها مطيّة لأغراضه؛ فإذا الأخلاق منعدمة من السياسة التي ينتهجها رغم اداعائه بأنها شرعية، بينما هي تلك الحروب الضرورس يشعلها وليس فيها إلا الخداع والمكر والبهتان. ألا خاب مسعاه وبخس كسبه في باحة دين القيّمة، كلمة السواء على الدوام!
لقد دبّرت المقادير حادث الطريق ليكون الفاروق بين ما سلف فيعفو الله عنه قبل عباده ليمضي إلى حاله بلا رجعة، وما له أن يأتي، عساك تكون لبيبا فتفيق من غي سياسة لا تشرفّك، إذ أنت فيها المنافق الذي لا يرضاه له دينك؛ لتجعلها إذن أخلاقا كلها، فإنما السياسة أخلاقية أو لا تكون !
إنك دأبت إلى اليوم على المخاتلة باسم دين الإسلام، فجعلت منه حربا بينما هو السلام ! ولقد آن الأوان لخدمة دين القيّمة في هذه الربوع الآمنة بحسن النية وصفاء السريرة ! فلتكن الحادثة الفرصة السانحة لعودة الوعي إليك وعودة الأخلاق لكسبك في هذه البلاد !
إن كل شيء بيد الله، بما في ذلك الإيمان؛ وليس لأحد التكلم قبل الله وباسمه وباسم دينه إلا إذا سعى حثيثا لإعلاء ما يميّز هذه الملة على غيرها. وما يميّز دين الإسلام لهي مباديء الإناسة وحرية العبد التامة في التصرّف في دنياه وعلاقته المباشرة مع ربّه، لا واسطة بينهما !
فمتى استعبد الفقهاء وأهل السياسة عباد الله بفتاواهم وغيّهم وقد أرادهم الله لا يسلّمون إلا له، أحرارا حتى في عدم الأخذ بدينه، إذ الكافر الصادق في تصرفاته عند الله لأفضل من المؤمن المنافق، المتاجر بدينه. فالأول له الحياة كلها للاقتناع بدين الله والإنابة إلى خيره الجم بمشيئة الله وعونه إذا رآه أهلا لذلك، بينما لا أمل في الثاني أن يتوب لهدي الله فيحي الدين القيّم وهو يتمعّش من المداهنة به وفيه.
إن الإسلام سلام، وهو روحي ومادي؛ وهو العدل والإنصاف؛ وهو أيضا وخاصة القبول بحرية العبد أيا كانت مظاهر تصرفاته إذ هي تتم تحت نظر الله قبل عباده؛ فهل يستحي من يدّعي الإيمان مما لا يستحى الله منه فيقبله منه لحكمته في عباده؟
هذا إذن إنذار من الله لعبده الفقير إلى حكمة ربّه كموسى مع الخضر؛ فإن كان حقا مؤمنا، فليتب عما سلف منه ظلما في حق عباد الله أجمعين وليسلك محجة الله لقول كلمة السواء من هنا فصاعدا !
وهذا رمضان الكريم على الأبواب؛ فليكن شهر العبادة الحقة التي ليست هي في المظاهر الخادعة، بل في النية الصافية؛ ولا يكون ذلك إلا بشهر تُضمن فيه الحرية لكل عبد صام فيه أو لم يصم، امتنع عن المحرّمات أم لم يمتنع، إذ الصيام أولا وقبل كل شيء محنة لذوي الألباب، ولا محنة بدون إغراءات؛ ثم الصوم الصحيح لا يكون إلا عن كل عمل مشين بالدين، وأوله المراءاة.
فليبدأ من يتقي الله ويدعو لدينه من الآن كسبه بالحرص على إبطال كل ما في قوانين البلاد من إخلال بروح دين القيّمة التي تجعل من الأبرياء ظلمة بلا جرم سوى صدق السريرة في العيش كما أراد لهم الله إلى أن يهديم متى أراد إلى ما يريد. فلا ظلم في دين الإسلام الذي هو أوّلا وآخرا الإحسان؛ ومن يُحسن فلكل عباد الله بلا استثناء.
إن الحياة دروس لمن حسنت نيته وصفى لبّه، وخاصة لمن تحمّل أمانة خدمة ملة الإسلام الذي هو رحموت كله، لا جبروت ورهبوت. فلتكن حادثة الطريق تصحيحا لطريقك في الحياة والسياسة وتزكية لسلوكك نحو أسلمة نفسك قبل أسلمة بلاد هي في رعاية المقادير قبل العباد.
هكذا تكلّم سلطان المدينة، نصير المظلومين، في مناجاته الروحانية الموجّهة إلى الشيخ راشد الغنوسي عساه، إن شاء الله، يجد فيها عـظة؛ فمتى تزمّت المسلم الحق في إيمانه وقد جعل الله دينه، خاتم الأديان، يسرا لا عسرا ؟
نشرت على موقع أنباء تونس