في كلمة الحق التي يراد بها باطلا
الصادق شعبان من أساتذتي السابقين، وأعتقده من النزهاء في هذه البلاد. أقول من السابقين، بالمعنيين المادي والمعنوي، وخاصة الثاني هنا، إذ لا أرى وجها صحيحا تاما لما يقول؛ فهو يخلط بين حقيقة لا بد من قولها وباطل لا يجب خلطه بالحق وإلا أفسده.*
عندما نخلط الحق بالباطل :
نعم، لا بد من ذكر الباطل دوما، لكن للتنديد به وفصله عن الحق، وهذا ما لا يفعله سي الصادق عندما يكتب متسائلا : «هل التاريخ يعيد نفسه؟»
يذكّر الصادق شعبان بثورة على بن غذاهم سنة 1861 فيقول «ان في ذلك الوقت ايضا كان الغرب بقناصله ”ينصح” بالحريات و بالكرامة و بالمساواة في التجارة و في الامتلاك و في ممارسة الدين ، ويشتري الضمائر و يهدد ؟؟»
ويضيف دون التنبه للتجني على ذكاء هذا الشعب «هل تعرفون ان ”إصلاحاتنا الكبرى” التي بقينا ”نعتز” بها، مثل عهد الأمان (1857) و مثل ”الدستور الاول للعرب” (1861) – إقرأ الربيع الاول للعرب – أملاهما الغرب علينا و مهد بهم للاستعمار وللاستغلال الاقتصادي ؟؟»
ثم يختم بهذا الحكم الذي يخبط خبط عشواء بخلطه بصفة فظيعة بين مسؤولية الساسة ومسؤولية أبناء الشعب : «هل تعرفون اننا كنّا مهيئين للاستعمار، اغبياء مساكين، و ان لنا متواطئين بيٌوعين لا يَرَوْن ابعد من انفهم – اقرأ نشطاء حقوق الانسان ؟؟»
نعم، لشعبان الوعي الكافي لقول ما يلي : «الخلفيات ادق دون شك والظروف غير ظروف اليوم ، و إنما القاعدة واحدة .» إنما يبقى هذا من الحق الذي يراد به باطلا.
من التوصيف للتوظيف :
إن المسألة ليست في دقة التوصيف، بل في توظيف ذلك ولو كان هذا، بقلم الصادق شعبان، بصفة خفية. المشكل هنا في الوصفة التي لا يتجرأ الأستاذ على اقتراحها وإن ظهرت بيّنة بين السطور.
فهو يخلط بين الصحيح والغلط عندما يكتب مذكرا بأن : « الحاكم اذا أفرط في الجباية هيأ للخراب . اسألوا ما تبقى من مؤسسات لم تفلس بعد ، و طبقة وسطى تحتضر !».
هذا صحيح، ولكن من المسؤول؟ أليس هو نظام عالمي جائر وقوى خارجية تحرك الدولاب بتونس لمصلحتها الآنية دون اعتبار لمصلحتها على المدى الطويل؟
وهو يرتكب الخطأ الفاحش عندما يكتب أيضا « اذا وضع دستورا ليس من اهتمامات الشعب و إنما للتمويه و لخلفيات التمكٌن هيأ للخراب . شاهدوا انهيار الدولة وضعف القيادة !».
كيف لرجل قانون أن يخط مثل هذا الخور وقد كان ممن يقول بضرورة التغيير من الفوق وبآلية الدستور في البلاد الحديثة كتونس؟ وهب الدستور لم يوفق اهتمامات الشعب اليوم لانشغاله بمسائل عدييدة يومية، هل يعد للخراب عندما هدفه الإصلاح وتعميم العدل والمساواة؟
ثم، وهذا الأهم، هل الدستور حقا لا يتناسب مع اهتمامات الشعب؟ أليس، أولا، من الضروري البداية بتطبيق ما جاء به من حقوق وحريات حتى يمكن القول بذلك فلا نتجنى لا على الدستور ولا على الشعب الذي يبدو في رأي الصادق شعبان وكأنه راض بحاله، أي وضع المسلوب من الكرامة، وهي أساسا في الحقوق والحريات؟
هل يريد الصادق شعبان للشعب تواصل وضع الخنوع الذي كان عليه قبل الثورة والذي لم يعد يقبل به؟
في الاستثناء التونسي :
لعل الصادق شعبان على حق عندما يقول أنه «إذا اذا ترك البلاد لأناس ليسوا من اَهلها ”أجانب خيٌرين ناصحين هيأ للخراب”. اطلعوا على التمويلات الجارفة من خيريات و دويلات !».
نعم، للبلاد أولادها وبناتها، وهم الذين يعملون يوما نهارا لأجل صالح الشعب؛ وإن كان عملهم ليس في العلن، إلا أنه مما يحدّ من قرصنة من يتاجر بالدين في هذه البلاد أو يبخس حق التونسي في سياسة منحازة للقوى الخارجية. وهذا ما نراه مثلا في إعلام تحرر وأصبح الدليل الأكبر على استحقاق التونسي لما هو أفضل.
لذا، يقول أستاذي قديما الصادق شعبان الحق ولكنه يريد به باطلا. فليعلم أن شعب تونس له من الوعي مالا يريد الاعتراف به بعد من يسعى دوما لاستغلال البلاد لصالحه؛ وهذا الوعي هو الذي أنتج دستورا يكون في خدمة كرامة المواطن لو طُبّق بحذافيره. وذلك ما سيأتي حتما لأنه اتجاء التاريخ المحتوم بالبحر المتوسط.
إن تونس لهي هذا الاستثناء السياسي والاجتماعي الذي سيفرض نفسه عاجلا أو آجلا إذ لا ينعدم فيها من أبنائها من يقول الحق للحق لا للباطل كما يفعل للأسف الصادق شعبان.
فهلا دعا أستاذنا لإبطال القوانين المجحفة التي تهضم حقوق التونسي وذلك بتفعيل الحريات والحقوق المضمونة بالدستور عوض التنديد به واعتباره خارج اهتمامات الشعب؟
وليعلم الأستاذ شعبان أن التاريخ، وإن بدا وكأنه يعيد نفسه، لا يعيدها أبدا كما كانت بل يعيد مثلا أرواح الشهداء للحياة لإتمام ما بدأت به. ومن هؤلاء المناضل، مثال السياسي الفهمي، الذي قال على حق للشعب، لأنه عرف قدره، إذ هو لا يستسلم أبدا لمنطق من لا يقول الحق إلا لأجل الباطل : أحبك يا شعب تونس !
نشرت على موقع أنباء تونس