تقول الانتخابات المغربية الأخيرة بتحقيق الحزب الحاكم لنجاح باهر يدعم مركزه في الحكم وسلطته إزاء نفوذ الملك، خاصة بتمكنه من الانتصار في معظم المدن الهامة بالمملكة وبنصف جهاتها تقريبا.
ويرى المحللون أن هذا الاختبار الانتخابي الديمقراطي الثاني بعد التشريعية سنة 2011 يؤكد الاستقطاب الثنائي السياسي لأهم الحزبين على الساحة المغربية، مدعما خاصة حزب العدالة والتنمية الحاكم مع تزكية دور أهم معارضيه، حزب الأصالة والمعاصرة.
وهذا يجعل العديد منهم يرون مستقبل الحزب الحاكم زاهرا خاصة وأنه دعم حضوره في صفوف الطبقات المتوسطة، بالمدن خاصة بما فيها الأهم، كالرباط والدار البيضاء والقنيطرة وأكادير.
ما وراء المظاهر
لا شك أن في مثل هذه القراءة الكثير من التجني على المستقبل وعلى تطلعات الشعب المغربي، إضافة للحزب المنتصر شكليا وضمنيا في هذه الانتخابات، أي حزب الأصالة والمعاصرة. ذلك لأن هذا الحزب هو الحائز على المرتبة الأولى حسب النتائج الرسمية رغم كونه حديث العهدبالسياسة بما أن تأسيسه تم سنة 2008.
فهو يؤدي بل شك الهدف الذي خُلق لأجله، بما أنه صنيعة القصر لمزاحمة هيمنة الحزب الحاكم. لذا، فلا كبير صحة لما يُقال عن إمكانية تقلص سلطة القصر مع هذه النتائج أو تعدد فرص الخلاف بين القصر والحكومة.
فلعل لتحليل على هذه الشاكلة بعض الصحة في دول عريقة ديمقراطيا، أي تلك التي للمؤسسات والمجتمع المدني من التمرس بالحكم وتصريف الأمور حسب القوانين الوطنية والدولية ما يمكنها من جعل الانتخابات لها الدور الفاعل والفعال بالرغم من كل ما يحيط بها من تجاوزات، وذلك في الدول الديقمراطية نفسها.
أما في بلداننا الحديثة العهد بهذا النمط من الحكم، وخاصة بالمملكة، فليس هناك ما يكفي بعد من التجربة الديمقراطية والحس المؤسساتي، الشيء الذي من شأنه تنسيب التجاوزات العديدة التي رأيناها والمخالفات التي لم تسجل رغم حصولها على أرض الواقع.
إن هذا الواقع هو الذي يفرض نفسه بالمملكة، وهو أساسا عزوف أغلبية الشعب عن الانتخابات. فهذه الحال ولا شك أهم نتيجة للانتخابات الأخيرة والتي لا يجب تجاهلها من طرف الحزب الحاكم وإلا خيب عاجلا آمال غالبية الشعب الصامتة قبل ن تخيب حتما آماله في الانتخابات القادمة.
الشرعية زمن مابعد الحداثة
إن الشرعية اليوم، في زمن ما بعد الحداثة الذي نعيشه، لا يمكن بحال أن تمثلها انتخابات شكلية لا تهتم بها الأغلبية الساحقة للشعب. ذلك لأن الأغلبية التي صوتت للحزب الفائز رسميا هي أغلبية لا رسمية لها إلا لكونها مسجلة على قوائم انتخابية لا تمثل مجموع الشعب. ونحن نعلم أن ما بعد الحداثة هي عهد الجماهير؛ فهي التي تمتلك حقيقة الشرعية، زي حكم الشارع وسلطته أمام نفوذ الساسة.
فهؤلاء مثل المردة الذين يتحكمون في نظام يحعلون منه صحراء قاحلة لا تنجو فيها إلا مصالحهم، فإذا هي هذه ديمومقراطية Daimoncratie أي حاجة جن السياسة ومردتها ، مثل الديموم، أي الصحراء التي يكثر فيها الجن.
وليس هذا خاصا بالمغرب والديمقراطية الناشئة به، بل هي حال النظام الديمقراطي بالغرب نفسه حيث هو بصدد الاحتضار. لذا رأينا الغرب يعمل جاهدا على تصدير نظامه البائر إلي بلاد الربيع العربي حتى لا تأتي بتجربة جديدة تعجل بنهاية نظام مردته ومصالح جنه وقد أصبح همهم السهر على دوامه لا باسم حكم الشعب ولمصلحته بل لأجل مصالحهم الخاصة عبر نظالم حاكم لا يمثل الشعب إلا نظريا.
الديمقراطية اليوم بالغرب وبغيره من البلاد لعبة شكلية فيها حكم الشعب مطية لحكم أقلية تدعي جزافا تمثيله؛ وهي من مخلفات الحداثة الذي ولى زمانها.
من الديمقراطية إلي الديموأرشية
نعلم أن كلمة ديمقواطية مكونة مما معناه الشعب Demos والنفوذ Cratie. ونحن نرى بعد في الغرب أنه لا نفوذ للشعب حقيقة، بل لمردة الساسة وجنها الذين جعلوا من النظام الديمقراطي ما سمّى بديمقراطية مدجنة Démocratie d'élevage .
أما اليوم، عصر الجماهير ما بعد الحداثي، فكل شيء بؤشر لولادة ديمرقاطية جديدة متوحشة Démocratie sauvage. وهذا يحدث بمرور مفهوم الديمقراطيية من نفوذ الشعب إلى سلطة الشعب أي بالتحول من Cratie إلى Archie ، فتكون الديمقراطية القادمة سلطة الشعب Démoarchie.
هذا ما يعمل الغرب ومن يدعم من ساسة ببلادنا العربية على منع حدوثه بالتشجيع على تعاطي لعبة الانتخابات كما عرفها أخيرا المغرب، والتي لا تعنى أي شيء إذ لا تعبر بحال عن الواقع الآني للشعب ومعيشه ومتخيله.
وهذا هو الذي يتعين معاينته والاهتمام به في مجتمع مركب مثل المتمع المغربي لا تناسبه الحلول البالية ولو استوردناها من الغرب الآفل نجمه. فلا مجال اليوم إلا لنظام سياسي متجدد لشعب أصيل متأصلة فيه روح التناقض والمناقضة وذلك إلى حد المشاغبة. فلا ديمقراطية حقة بالمغرب إلا إذا كانت مابعد ديمقراطية، أي ديموأرشية.
لينتبه إذن الساسة المغاربة، وكل الساسة العرب الطامحة للتجديد السياسي، إلى هذا إذا أردوا الإبداع وحتي لا يتفاجؤوا بأحداث مثل تلك التي أتت بدساتير جديدة.
بل لا شك أنها ستكون أعتى بقدر خيبة الأمل التي أحدثتها تلك الدساتير، كما هو لحال بالمملكة المغربية، إذ بقيت بنود دستورها الثورية حبرا على ورق في مجالي الحقوق والحريات، خاصة في ميدان الحياة الخصوصية التي يبقى تأثيرها علي المخيال الثوري هو الأهم.
نشرت على موقع أخبر.كم