في لقائه في افتتاح ندوة الولاة صباح هذا السبت، بيّن رئيس الحكومة أن خطر الارهاب لا يزال قائما وعلى أشده، وأن التهديدات التي ستواجهها الدولة في غضون شهر أكتوبر خلال فترة الانتخابات كبرى ومن الضروري التصدي لها بكل حزم رغم أنها ستقتضي تضحيات لن تتوانى الدولة من إتيانها.
وبعد أن بين مهدي جمعة أن هذه التهديدات الارهابية لا تقتصر على تونس وحدها، إذ هي أقليمية، شدد على أن البلد مقرة الحزم على التشبث بالاستحقاق الانتخابي لإنجاحه وذلك بضمان الحملة وتأمين عملية الاقتراع وسلامة الصناديق ومحتوياتها.
ما من شك أن كل ما قاله رئيس الحكومة من الوجاهة والصحة بمكان. إلا أنه يجانب الحقيقة والواقع لما يضيف أن نجاح المسار الانتخابي ودوام التجربة التونسية مرتهنان بنجاح الانتخابات والقيام بها في المواعيد التي حددها المجلس التأسيسي. فهنا، لا يمكننا إلا إجابة السيد مهدي جمعة أن هذا ليس تماما بالصحيح نظرا للفترة العصيبة التي تعيشها بلادنا. فمع التحديات التي اعترف بخطورتها بنفسه، لا يمكننا أبدا صرف نظرنا إلى شيء آخر غير مواجهة الارهاب إذا أردنا حقا النجاح في التصدي للخطر الداهم المتربص بتونس.
نعم، إن الاستحقاق الانتخابي مهم، ولكنه لا يعلو مصير البلاد وهي مهددة في ذاتها ودوامها. ثم إن نجاح التجربة التونسية ليس في إقامة الانتخابات فقط، بل هو أولا وآخرا في إرساء الديمقراطية، وهذه من الممكن إرساءها بغير الانتخابات، خاصة إذا كان من شأن إقامة مثل هذه الانتخابات الزيادة في انقسام البلد والتقليل من اليقظة التامة، وهي لازمة واجبة لا مناص منها، لمجابهة الخطر المحدق بالبلاد.
وليس الانتخاب هو الاستحقاق الوحيد للشعب التونسي، بل الاستحقاق الأهم والأعظم لهو الاستحقاق التوافقي، وقد تأتى هذا لتونس بالحوار الوطني الذي لولاه لما توصل المجلس التأسيسي إلى الفراغ من كتابة الدستور بصفة مرضية.
إن الاستحقاق التوافقي هو اليوم أهم بكثير من الاستحقاق الانتخابي، خاصة وأن الانتخابات لن تغير شيئا كبيرا على الساحة السياسية بما أن نظام الاقتراع يخدم مصالح الحزبين الطاغيين على الحياة السياسية وأن الاتفاق حصل بعد على تمكين حكومة التكنوقراط الحالية من مواصلة عملها، خاصة بعد حصولها على الدعم الأمريكي المرتهن بدوامها المدة الكافية لنجاحها.
لذا، فما فائدة انتخابات لا خير فيها إلا تقسيم البلاد أكثر مما هي مقسمة مع الزيادة في المخاطر وتسهيل الأمور على الإرهابيين المترصدين لنا والمتربصين بنا الدوائر؟
إن المسؤولية الحقة تقتضي اليوم على كل سياسي الارتفاع عن مصالحة الحزبية الضيقة وتغليب مصلحة الوطن؛ وهذه تحتم تأجيل الانتخابات إلى أن تعود الحياة الطبيعية بالبلاد وذلك للتفرغ كليا لمواجهة الإرهاب، فتكون عندها كل الأحزاب اليد في اليد تكوّن لحمة واحدة لا تزعزعها مطامع الحكم ولا المطامح الحزبية.
أما كيف يكون هذا، فبعودة الحوار الوطني للانعقاد لأخذ القرارات الثورية التي تقتضيها حالة البلاد. وهذه خطة في ذلك إعرضها على أولي الأمر ممن صدقت وطنيته :
1 - إقرار صرف النظر عن كل شيء إلا عن وجوب ولزوم مجابهة الإرهاب صفا واحدا لا يحتمل أي اختلاف لأن الأمر جلل فلا تهاون في ذلك وإلا كانت خيانة للوطن؛
2 - قرار تأجيل الاستحقاق الانتخابي باسم الاستحقاق التوافقي، ويكون ذلك بدعم الحكومة الحالية في نفس الوقت وتقرير تمكينها من الصلاحيات اللازمة للخروج بالبلاد من الأزمة بسلام على أن يتم ذلك دوما في نطاق الحوار الوطني حيث أغلبية الأحزاب الفاعلة بالبلاد؛
3 - دعوة المجلس الوطني التأسيسي لتفويض الصلاحيات الازمة للحكومة الحالية للتصرف حسب ما تقتضيه خطورة الوضع من خطر داهم، ويكون ذلك في نطاق الحوار الوطني؛
4 - دعوة المجلس الوطني التأسيسي لاختيار رئيس توافقي للبلاد يقترحه عليه الحوار الوطني ثم إنهاء مهامه رسميا وإخلاء المجال للحكومة بمساندة الحوار الوطني.
إنها خطة من شأنها تقليص البعض من المخاطر التي تواجه تونسنا الحبيبة لعلنا بها نضمن لبلادنا ألا تدخل، كما يريده لها الأعداء وهم كثر من الداخل والخارج، نفقا مظلما لا خروج منه إلا بعد المآسي وهول المصائب إذ باتت تونس اليوم بمددننا وقرانا على قاب قوسين أو أدني من حرب العصابات، حفظها الله من كل شر !