تهافت المطالبة بتجريم التطيبع
نشر اليوم موقع نواة رسالة مفتوحة موجهة للأحزاب السياسية ولأعضاء المجلس التأسيسي محرضة على سن قانون تجريم التطبيع. ومع شديد الاحترام الذي أكنه لكل من أمضى على الرسالة، وخاصة لمن أعرف نزاهته وحرصه على النضال من أجل الحريات فيهم، رأيي أن هذه الرساالة تدعو لمطلب متهافت.
ذلك أولا أنه من الشطط الادعاء أن مطلبهم هذا هو من مطالب الشعب. فإن الآخذ بنبض الشارع لا يمكنه القول بأن الشعب لا يريد التطبيع كحل لتحرير فلسطين؛ فهذه شعارات لقلة من المتحمسين لا لقضية فلسطين بل لما يعتقودنه فيها من فوائد على المستوى السياسوي الداخلي.
من أجل ديبلوماسية فاعلة
إن سياسة إنكار الغير أكل الدهر عليها وشرب، والشجاعة اليوم من الأحزاب ليست في سن قانون التطبيع بل في التطبيع ذاته مع انتهاج سياسية صادقة النية وديبلوماسية نشطة تعمل على العودة للقانون الدولي وتفعيله على أرض الواقع بإقامة دولة فلسطين في حدود سنة التقسيم وعودة كل اللاجئين إلى أراضيهم في نطاق تسوية عادةل يعترف فيها الكل بحقوق الجميع الثابتة.
نعم، في واقعنا الحالي، أي مع انعدام ديبلوماسية حقة فاعلة وسياسة فهيمة تقول الحق وتسعى إليه، ليس في التطبيع إلا المهانة وخدمة مصالح إسرائيل. لكن من قال بوجوب تواصل الحال المزرية التي عليها سياستنا وديبلوماسيتنا اليوم؟
أنا لا أفتأ أنادي بثورة عقلية على هذا المستوى، كما هي واجبة على جميع المستويات. فلا تطبيع بالنسبة لي إلا مع سياسة خارجية في نفس الوقت تقول الحق وتناهض لأجله بكل جدية وشراسة إن وجب الأمر. فهذه هي الوسيلة الوحيدة للخروج من المأزق الذي نحن فيه والذي لا يفيدنا ما نفعله من تجريم لا طائل منه وسفسطة سياسية غير مجدية.
لذا، فليس في طلب قانون تجريم التطبيع إلا التشجيع المتواصل للسياسة العقيمة الحالية في ابتذال المباديء وصرف كلمة الحق لأجل الباطل الصرف الذي هو هنا المصالح الحزبية الضيقة.
ولا فائدة في الإشارة إلى أنه لو وصل التهور بالأغلبية الحالية بالمجلس إلى سن مثل هذا القانون فأنه سيبقى حبرا على ورق كما بقيت الاستحقاقات الي أتى بها الدستور؛ ذلك لأن الغاية ليست الاستحقاقات نفسها بل الفائدة المرجوة من سنها مع عدم تفعيلها. وكذلك يكون الأمر بالنسبة لقانون تجريم التطبيع إذ لن يكون له أي مفعول إيجابي في حل المعضلة الفلسطينيه، بل يزيدها تعقيدا.
السياسة كياسة وصدق نية
لقد حان الوقت لأن نخرج من حفرة السياسوية الضيقة والمتاجرة بدمماء الأبرياء في فلسطين باسم العروبة والوطنية ! إن خدمة القضية الفلسطينية تقتضي عاجلا انبراء ساسة جدد وديبلوماسيون محنكون لا يترددون في قول كلمة الحق والذب عنها بكل قوة في نطاق سياسة صادقة النية خالصة الكياسة. وهي في :
- أن إسرائل دولة قائمة الذات ولا كيانا خياليا إلا في أدمغة المدجلين في السياسة وبالسياسة؛
- أن دولة إسرائيل لا حقيقة لها إلا مع دولة فلسطين في حدود التقسيم الدولي الذي هو بطاقة ولادة لتوأمين؛
- أن الديمقراطية الحقة بإسرائيل وغير إسرائيل، خاصة بدولنا العربية، تقتضي الاعتراف بكل حقوق المواطنين دون التفرقة باسم الدين؛
- أن الديبلوماسية اليوم في زمن الليبيرالية الغربية الغالبة تقتضي رفع كل الحدود المكبلة لحرية التنقل للبشر، لأن البظاعات ليست أكثر قدرا من الإنسان، ولأن هذا الأخير هو مبعث كل ما تأتي بها البظاعة من ثراء وثروة .
فبمثل هذه الطريقة فقط يمكن لتونس أن تشارك بجدية في الصراع الحامي الوطيس لفلسطين كما تدعو إليه الرسالة دون النجاح في تخير الوسيلة الفضلى، إذ تبقى تلوك كلاما عهدناه ليس فيه إلا اجترار خطابات وشعارت لا تجدي نفعا.
فلا حظ حقيقة في تفعيل قرارات المقاطعة التي اتّخذتها جامعة الدول العربية منذ بداية الاحتلال الصهيوني لفلسطين الذي تذكّر به الرسالة إلا في البداية بالاعتراف أولا بالقانون الدولي ثم المطالبة بالعودة إليه بديبلوماسية نشيطة كما بينت. فإذا فشلت، وعندها فقط، يمكن اللجوء إلى المقاطعة كدرجة أولى للضغط على من يرفض تطبيق القانون تعقبها درجات تصاعدية؛ وعندها تكون الحظوظ وافرة للعرب لجمع الضمير العالمي إلى صفهم، لأنه عندها صف الحقيقة الخالصة لا الخادعة.
إننا اليوم ننادي الضمير العالمي لأدانة المنكر الصهيوني ولا يجيبنا لأنه يرى في الآن نفسه أننا نأتي أيضا المنكر. وهذا أساس البلية.
كفانا إذا استعمال الكلمات الطنانة والرنانة، فليس الأبرياء يذبحون فقط في فلسطين، بل لعل عددهم أكثر في بلاد الإسلام ! ولا أقول هذا للتقليل من فظاعة ما يقع بغزة اليوم، لأن قتل بريء واحد هو قتل كل البشرية؛ إنما أقول حقيقة وهي تقال ولو على النفس !
كفانا مواصلة ما دأب الأحزاب عليه منذ بداية الفاجعة، ألا وهو استقطاب الناس لأغراض خسيسة في نفس يعقوب، ولنطالب ولو مرة واحدة بسياسة فاعلة وديبلوماسية نشيطة. ولا يكون ذلك إلا بالنزول إلي الميدن بالسلاح الذي يستعمله عدونا فيغلبنا به، وهو سلاح القانون الدولي.
فنحن كمن له حق لا منازع فيه، إلا أنه لا يطالب به أمام المحاكم، فيضيع الحق ونبكي ونتباكى على ضياعه ولا مجيب لعويلنا لأننا نحن السبب في ذلك. فلنهجر التلبيس على أنفسنا وعلى غيرنا، إذ ليس هذه من السياسة التي هي أولا وآخرا كياسة وصدق نية.
وقع تحيين المقالة ونشرها تحت عنوان :