الشعب سيد نفسه أو التحصين الحقيقي للثورة
1
-
لا
تحصين للثورة بدون إبطال قوانين العهد
القديم الجائرة :
ما
من أحد يشك اليوم في كلمة الحق التي عنونت
بها هذه المقالة، وهي أن الشعب سيّد نفسه؛
بل الكل بلا منازع يدّعي الالتزام بها
والعمل على تحقيقها على أرض الواقع.
إلا
أن ما يقتضي منا واقعنا السياسي اليوم
القول به بكل نزاهة هو أن هذه الدعوى تبقى
عند العديد من السياسيين من باب كلمة الحق
التي يُراد بها الباطل.
ولعل
القانون الأخير الذي يدّعي تحصين الثورة
لهو أفضل دليل على كيفية سعي حكامنا
لاستعمال هذه المقولة، لا حقيقية لأجل
احترام حقوق الشعب وتحقيق أهداف ثورته،
بل في باطل تصفية الحسابات الحزبية
والتشفّي من الأعداء السياسيين.
ذلك
لأنه إن كان حقا هدف قانون تحصين الثورة
ما وقع تبيينه والتأكيد عليه، فليس هناك
أي مانع من أن يسارع أيضا حكامنا إلي سن
القانون الذي لا يزال ينتظره الشعب والذي
به يقع حقا حماية الثورة، وهو ذلك النص
الرسمي القاضي بإيقاف العمل بكل المنظومة
القانونية الي يتثبث بها النظام الحالي
لمصالحه الخصوصية رغم أنها من تركة العهد
السابق وحاملة لكل مساوئه!
فلا
مجال لتمضية قانون تحصين الثورة القاضي
بمنع رموز النظام السابق من الحياة
السياسية بدون أن نوقف في الوقت نفسه
العمل بقوانين النظام السابق المخلة
بالحريات العامة.
فإما
نحصن حقا الثورة، والأولى البداية
بالقوانين المجحفة للدكتاتورية المنهارة،
وإلا فنحن لا نفعل غير تصفية حساباتنا
فلا نعبأ حقا بمصالح الشعب ومطالبه
المشروعة.
وهذا
لا يخفى على نباهة أبناء شعبنا إذ لم تعد
المظاهر تخدع هذا الشعب الذكي ولا تنطلي
عليه حيل أهل السياسة وخزعبلاتهم، وقد
امتهنوا المخادعة والمكر فما تهاونوا في
الكذب والمداهنة، إذ جعلوا منهما قمة
الحنكة السياسية رغم أنهما أخس ما في
الأخلاق الحميدة وأوضعها.
ذلك
لأن في مثل هذا التصرف السياسي الكثير من
انعدام للشجاعة في الاصداع بالرأي وقول
الحق، وقد عرفنا أن قولهما مما يتوجب دوما
ولو على أنفسنا، ولو كان في ذلك مخالفة
لمصالحنا إن تناقضت مع الأخلاق السامية
التي يجب أن نتمسك بها على الدوام.
فذلك
واجبنا نحو ما يفرضه الضمير الحي بهذه
البلاد، خاصة بعد الثورة وعودة الوعي بها
إلى أسمى ما يميّزها، ألا وهو طلاقة إيمان
شعبها بمثله العليا، وهي أساسا حريته
وكرامته.
فالسياسي
الحق بتونس الثورة هو الذي يتجاهل نفسه
ومصالحه الضيقة لأجل مصالح شعبه وخدمة
تطلعاته للأفضل.
ولا
شك أن ما يطمح إليه الشعب في تونس الجديدة،
علاوة على كرامة العيش التي تبدأ بعمل
قار ودخل محترم، هو احترام سيادته.
وأجلّ
علامات هذه السيادة وأفضل تداعياتها لهي
بدون أدنى شك رعاية حريات الشعب، كل
الحريات لكل أفراده، بدون انتقاص وبلا
هضم ولا ضيم.
ولا
غرو أن البون شاسع بين تطلعات الشعب
وتصرفات من وضع ثقته فيهم لخدمته، إذ هم
لا ينتبهون إلى ما بذمّتهم من واجبات
للعمل الحثيث على تدعيم الحريات بهذه
البلاد، بل يعملون على نقضها وهدمها على
شاكلة ما كانت تفعل ديكتاتورية العهد
القديم، وقد هدم الشعب هذا النـظام الجائر
بقوة ساعده لإقامة الحريات ببلده لا
لإعادة نظام في نفس الجور والتعنت.
فهل
هذا ما يريده النظام الحاكم اليوم وهو
يتصرف حسب منظومة عاتية جائرة ورثها عن
العهد القديم، فإذا هو يحرص على العمل
بها في خدمة مصالحه على حساب حريات الشعب؟
فمن
المضحك المبكي حقا أن نرى النساء والرجال
من حكام البلاد اليوم ممن يدّعي التزامه
بأهداف الثورة يعمل بالمنظومة القانونية
الجائرة للنظام القديم ولا يجرأ لا فقط
على تغييرها أو على الأقل إيقاف العمل
بها، بل ويسهر جاهدا على تدعيمها خدمة
لمصالحه الآنية للبقاء في الحكم أطول مدة
حتى وإن كان ذلك بسلب الشعب أبسط حقوقه.
إن
الثورة التونسية لتقتضي، وهي في سنتها
الثالثة، من كل من ادّعى حقا تمثيل الشعب
بالمجلس التأسيسي، بل ومن كل سياسي يريد
التدليل حقا على حبه للبلاد ولهذا الشعب،
أن يعمل عاجلا وبدون أي تأخير أو تلكأ على
تجميد كل القوانين المخلة بالحريات وإيقاف
كل التتبعات العدلية المبنية على أساسها،
إذ أن هذا الأساس لهو من البطلان المبين
لإخلاله بحريات الشعب وبأبسط طلباته.
2
-
لا
تحصين للثورة بدون إعلاء سيادة الشعب :
الحقيقة
التي لا مجال بعد لتجاهلها في تونس الثورية
هي أن العديد من ساستنا يعملون جاهدين
على إفراغ سيادة الشعب -
والشعب
السيّد لنفسه هو التعريف الأوحد والصحيح
اليوم للشعب التونسي بعد الثورة -
من
كل مغزى ملموس ومحسوس.
إننا
نجد أنفسنا معهم حيال مجرّد شعار يُتبجح
به لأغراض عدة لا صلة لها البتة بإرادة
الشعب.
إن
سيادة الشعب تفرض على كل ممثليه، بل وتحتّم
عليهم دون أي تأخير، تحقيق إرادته في
الانعتاق من كل القوانين الجائرة التي
هي تركة النظام البائد وقد خنقت حرياته
وقتلت فيه كل تطلع للأفضل تحت العهد
الديكتاتوري البائد.
فلا
مجال بغير ذلك أن نبني بحق بتونس، كما
يريده الشعب، نظاما ديمقراطيا لا مكان
فيه للجور ولا للظلم ولا للطغيان أيا كان
اللون الذي يتلون به، هذا الظلم الذي
تختزله المنظومة القانونية الظالمة التي
يتمسك بها النظام الحالي ويعمل جاهدا على
الإبقاء عليها لما في ذلك من خدمة لمصالحه
الحزبية الأنانية.
فالشعب
اليوم بحق سيد نفسه، وليتذكّر ذلك من يريد
تجاهله.
وأكيد
أن ما رأيناه مثلا من حصول رابطات حماية
الثورة على مساندة الدولة يدعم هذه المقولة
على أرض الواقع؛ فجهاز الدولة القائم
يعترف بضرورة تواجد مثل هذا الدعم الشعبي
القاعدي لمؤازرته في حماية الثورة من
منتهكيها.
والشأن
هو نفسه بلا شك بالنسبة لحقوق الشعب وإن
لم تتكون رابطات لذلك بعد أن تبيّن أن
رابطات الثورة أصبحت تخدم الأغراض الفئوية
لا المصالح الثورية بنزاهة.
والشعب
طبعا يمثله مبدئيا المجلس الذي وقع انتخابه
لهذا الغرض.
ولكن
عندما نرى إلى أي مدى يصل تهاون مثل هذا
المجلس بمقتضيات التمثيل النزيه للشعب،
فالسيادة تعود للتّو، عند مثل هذا الإخلال،
إلى صاحبها الأوحد أحببنا ذلك أم كرهنا؛
إذ لا داعى لانتظار الشكليات القانونية
لهذا، خاصة أن المنظومة القانونية التي
أطاحت بها إرادة الشعب لم يقع تبديلها،
فلا قيمة لها اليوم أمام سيادة الشعب
وإرادته !
إن
السيادة تعود دوما إلى صاحبها، وهي لا
تنتطر لذلك الشكل العادي الانتخابي ما
دام الأصل -
وهو
علويّة سيادة الشعب -
منتهك،
فلا شكليات ضرورية للعود للأصل ولا آليات
لتفعيل حقٍ هو حتما قائم الذات بنفسه.
فالشكل
ليس بالضروري إلا كترتيب لأصل مضمون
وتفصيل لحق قائم لا يُنتهك.
أما
إذ وقع انتهاك الحق، بل ووصل الأمر إلى
انتفائه، فكل الوسائل لإعادته إلى نصابه
مسموح بها ما دامت النية حسنة وما دام لا
لبس في انتهاد هذا الحق؛ فهو عندها يفعّل
نفسه بنفسه؛ ولا شك أن هذا هو أساس
الديمقراطية المباشرة الحقة.
إنه،
في بلاد الثورة الحقيقية، لا يقع التهاون
بمثل هذا الحق المشروع الذي هو سيادة
الشعب التي تعلو ولا يُعلى عليها، فلا
تستهين كل ثورة شعبية بحق هو قائم الذات
بنفسه، وهي تقر بإن كل الشعب له دوما الحق
في التكلم لأجل حرياته.
فللشعب
بأكمله أن يضرب عن الطعام أو عن العمل
للدفاع عن حقوقه؛ وللشعب بتمامه دعوة
ممثليه الذين نسوه ونسوا مصالحه للإستقالة
لعدم الجدية في تحمل المسؤولية المناطة
بعهدتهم، والتي كلفوا بها لتمثيله وتحقيق
أهداف ثورته، وذلك كإبطال المنظومة
القانونية الجائرة الموروثة من العهد
البائد.
فإن
ننسى فلا يجب أن ننسى أن المسار الحالي
للثورة الذي ينتفع به البعض على حساب
الشعب كله هو نتيجة لاعتصام كان من الأسلحة
الأساسية للشعب في فرض سيادته وحمل الساسة
على الاذعان لها.
فالسيادة
للشعب وحده، وهي بالشارع، لا تحت قباب
القصور المترفة ووراء الأبواب المشمعة
الموصدة على من يخاف الخروج إلى الشعب
والاحتكاك به ومجابهة مشاكله.
فلنحصن
الثورة حقا، لا فقط يمنع رموز النظام
القديم من العودة إلى الحكم، بل أيضا
وخاصة برفع كل القوانين الجائرة التي لا
زال يعمل بها النظام الحالي؛ وإلا فلا
شيء يضمن غضب الشعب قريبا لأجل حرياته.
فالحال
لهي كما ذكر السياسي الشاعر نصر بن سيار
: