Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

dimanche 20 mars 2016

Un Alzheimer discursif 4

جيوستراتيجية اللاوعي العربي والمتخيل الإسلاموي مائة عام بعد سايكس-بيكو*
* النص الأصلي


نحتفل هذه السنة بمرور مائة سنة على اتفاقية سايكس-بيكو، وهي الدليل الكبار على أن القراءة الجيوستراتيجية الفهيمة للأمور لا يجب أن تقف على تمظهراتها، إذ لا بد من الغوص ما وراء المـظاهر، خاصة  في دنيانا اليوم التي هي أولا وقبل كل شيء هذا المجلّى المخادع؛ مما يحتّم على المفكّر اللبق ترك ما يبدو من الشيء إلى ما هو عليه في ذاته. 
لذا، السؤال الذي لا مناص منه، إذا صدقت النية في الاتعاظ بما سلف من الأحداث، ليس في ماهيتها، كما بدت لنا وتجلت تاريخيا، بل في السؤال هل من جديد في العقلية العربية حتى لا تتجدد مثل تلك التقسيمات الجيوسياسية لمنطقة للشرق الأوسط التي مثلتها سايكس-بيكو؟ 
لنذكّر، باديء ذي بدء، بالاتفاقية كما عُرفت قبل الرد على السؤال فالتوسع فيه قليلا حسب المجال.
سايكس-بيكو الأمس :
في عجالة، تُعد الاتفاقية تفاهما سريا أبُرم أثناء الحرب العالمية الثانية،  في 16 مايو 1916، بين بريطانيا العظمى وفرنسا، بموافقة  روسيا، على تفكيك الامبراطورية العثمانية، التي كانت تنعت بالرجل المرض. وسمّيت الاتفاقية باسمي المفاوضين اللذين أبرماها، وهما البريطاني مارك سايكس، عن الحكومة البريطانية، و الفرنسي جورج بيكو، عن الحكومة الفرنسية. 
بمقتضى هذا التفاهم، تم الاتفاق على تقسيم الامبراطورية العثمانية بين الدولتين، في نهاية الحرب العالمية، وبخاصة الدول الخاضعة للعثامنة، أي سوريا والعراق. كما أكّد الاتفاق، في نفس الوقت، تعهد قوات الحلفاء ضمان الاستقلال التام للعرب تشجيعا لهم للتمرد على الأتراك. 
تم كشف الاتفاق السري من طرف القوات البلشفية بعد ثورة أكتوبر  1917، الشيء الذي  أثار الاستنكار في العالم العربي، خاصة لما كان من تنكر للعهود الحاصلة للعرب خلال الحرب. وقد أدى الاتفاق إلى تقسيم المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين إلى مناطق تخضع للسيطرة الفرنسية وأخرى تخضع للسيطرة البريطانية.   
سايكس-بيكو اليوم : 
الجواب على ما مضى من سؤال في التوطئة هو حتما بالنفي، بما أننا نرى تحت أعيننا كيف تتواصل إعادة رسم الخرائط، وعلى الأقل قراءتها، كما كان الحال مع الاتفاقية.    
فإن تم تأويل كل الخرائط خلال فترة الحرب العالمية الثانية ثم منذ جويلية 1923 بعد إرضاخ الامبرطوية العثمانية على التضحية ببعض الدول العربية، فالدول العظمى لا تفتأ تتطاول على العالم العربي وتمد بساطها شيئا فشيئا عليه. ولا شك أنها في ذلك لا تقوم إلا بما تفرضه عليها مصالحها وتمكّنها منه قوتها وانقسام من يضع نفسه عرضة للتقسيم، بل ويشجّع عليه.  
إن مشروعات رسم وإعادة رسم الحدود لا تنتهي في عالمنا، وليس ذلك يخص فقط الشرق أو دول شمال إفريقيا، بل هو في كل مكان يسمح به. ولا شك أن العرب والمسلمين، ما دامت المعاناة قائمة من أزمة الحرب في فلسطين والانقسامات في صفوفهم، سياسية وعقائدية، لا تنتهي، لن يمنعوا بحال الإسرائيليين، نظرا لقوتهم الضاربة، من الانتفاع من الوضع الراهن. 
فهل من المستغرب أن يعمل العدو على استغلال كل فرصة سانحة لإعادة رسم خريطة المشرق العربي بما يستجيب لمصالحه على المجال القريب والبعيد؛ فهذا أيضا مما نراه عند الصديق لأنه لا صداقة في السياسة أمام المنافع ؟ والحال نفسها، ولا غرو، أمام التطلعات الآنية والاستشرافية للقوى، العظمى خاصة . 
ثم لا شك أن ما سماه البعض فقاعة داعش لهو خير المثال لتواصل مثل هذه التقسيمات، ولكن بشكل علني زيادة على ما يجري في الخفاء، إذ السبب وراء ظهور داعش، وهي صنيعة الدول الكبرى، ليس إلا استدامة المسعى لديها للهيمنة على الدول العربية على شاكلة الفاتحين المخلّصين من الخطر الداهم الذي يُهوّن، لضرورة القضاء عليه، التفريط في الثروات، أو مقايضة الحرية  بالمنعة من الخطر الإرهابي.
إن العالم لا خرائط نهائية له إلا في زمن هيمنة قوة تحفظ أراضيها بقوة، وهذا ما لا يدوم أبد الآبدين؛ أما والحال التي عليها العالم اليوم هي الانحلال القيمي، والانهيار لنـظام فقد مشروعيته، وتعدد الفرص أمام كل من هب ودب من المغامرين، فرسم الخرائط فيه أصبح هذا الشيء المتحرك دائما.
لذلك يمكن القول أن عقلية سايكس-بيكو عقلية بقيت قائمة، لا نهاية لها، إن سرا وإن علنا. فحقبتنا الزمنية الحالية، وهي الفترة الفاصلة بين نهاية العالم القديم وميلاد عالم جديد، حبلى باتفاقيات من نفس النوع. فلا تُعدم أي فترة زمنية في تاريخ البشر من مفاوضات سرية، خاصة من هذا النوع الفاصل بين حقبيتن؛ ولا شك أنها بحدة أكثر في أيامنا الحالية لانقسام العالم حسب المصالح؛ مصالح الدول طبعا، ولكن خاصة وأولا مصالح من يحكمها التي تضخمت إلى حد كبير لانهيار الدول بتفسخ معنى الدولة نفسه، وأفول المنظومة الديمقراطية وثيمة حكم الشعب. 
في اللاوعي العربي والمتخيل الإسلاموي :
لهذا وجب التنبه، عند التذكير بمثل هذه الحدث التاريخي الهام الذي نحن بصدده، إلى أن القراءة في الخرائط لم تعد تكفي، بل يجب أولا أن تكون في الذهنية؛ لهذا يمكن القول أن التقسيمات الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط  وكامل العالم اليوم، تماما كما كان الأمر بالأمس، هي أساسا من نتاج متخيلنا العربي ولاوعينا السياسي الإسلاموي.
حبذا إذن لو يكون التعرض لهذه الذكرى وغيرها الفرصة السانحة  للتعاطي معها من زاوية متجددة، كأن يكون تركيز الانتباه على ما في عقليتنا ومخيالنا العربي من تيرب للعديد من اتفاقيات سييكس-بيكو جديدة نكتبها بأنفسنا! فما دام رسم الخرائط الاستراتيجية لا ينتهي، فإن إعادة رسم المنطقة العربية - التي، كما هو معلوم، تم تقسيمها بسهولة نظرا لحالة المرض التي كان عليها الرجل التركي - لتتواصل تحت أعيننا وبمشاركتنا الفعلية، وليس هذا فقط قسرا ! 
كيف لا يكون ذلك والجيل كله في المحيط العربي الإسلامي في أشد حالات المرض السياسي والاجتماعي والديني، وخاصة النفسي، مما لا يشجع فقط بل يفرض التقسيمات الجديدة إذ تصبح منشودة للشفاء؟ 
من المتحتم إذن، عند ذكر الماضي، ألا يكون فقط من باب تجاهل الحاضر، بل إضافة للتنبيه على تواصله واستدامته والتنبه لأسبابه الدفينة للوعي بما في معالم المستقبل من هذا الماضي، وهي بعد حاضرة نصب عيوننا. والمشكل دوما في العقلية وما تزخر به من كوابل. 
لذلك تكون أفضل طريقة لذكر المائة عام على مرور اتفاقية سايكس-بيكو في محاولة قراءة ما في أذهاننا من استعداد لسايكس-بيكو على الطريق. فليس هذا إلا ما ينصح به الفيلسوف، في معرفة النفس كل المعرفة للتصدّي للعدو، إذ نحن أعداء أنفسنا قبل كل شيء. لو تجرأنا مثلا وقلنا أن في سايكس-بيكو الكثير من العقلية العربية متمثلة في جذورها اللاوعية ومخيالها البدوي الإسلاموي، لا شك أن قراءة الاتفاقية تكون أقل أهمية من التمعن في حال اليوم وهي أشنع من الأمس. 
إن المتخيّل العربي وما يميّز اللاعي فيه من إسلاموية وأخلاق بدوية ترفض التحضر يؤكد أن الماضي يواصل التجلي في أعتى صوره؛ فالخرائط يعاد تأويلها؛ والتضحية بالدول العربية متواصلة، مثل ليبيا التي وقع الاستغناء عنها؛ والدول العظمى لا تكف عن التطاول على عالم عربي في مهب الريح. كل هذا مما لنا أن نجعله في زمن المضارع، بل وحتى المستقبل، بما أن الاتفاقيات من نوع سايكس-بيكو تُكتب يوميا، حتى بأياد عربية؛ ذلك اليوم له البيان الثابت حتى وإن تخفّى. 
السياسة كمرتع للجن :
إن مشروعات إعادة ترسيم الحدود العربية، في الشرق وفي شمال إفريقيا، تتواصل بداية في العقل العربي؛ وهذا يتم طبعا بتشجيع أو ضغط من أسياد الموقف حسب المناطق، سواء كان السيد جهويا - أي إسرائيل وكبار الدول الإسلامية كالسعودية، وتركيا مثلا -، أو عالميا، أي أمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي. هؤلاء لا يتورعون في عرض والدفاع عن مشاريعهم الوطنية الأنانية، ومنها التأكيد على ضرورة إعادة رسم خريطة المشرق العربي والمغرب الأمازيغي العربي، بل والعالم أجمع بما يستجيب لتطلعاتهم.
هذا من المتحتم في سياسة القوى، متوسطة كانت أو عظمى؛ وهي أيضا مما تحاكيه البلاد الأصغر التي تعتقد لنفسها أهلية لعب الدور الذي يليق لا بمصالح شعبها، إذ لا شعب يوجد في متخيل الحكام، بما في ذلك الأنظمة الديمقراطية، بل بمصالح جن السياسة. 
فالسياسة، في زمن ما بعد الحداثة، لهي مرتع الجن بامتياز. إن العالم اليوم لم يعد  يعيش الديمقراطية كما حلمت بها الشعوب، وهذا بعد واقع الغرب، إذ ليست هي فيه إلا ديمومقراطية، أي هذه الحلبة التي يحكم فيها الأقوى؛ فهي كالمفازة حيث يحلو للجن أن ترتع وتستبح كل شيء لغاياتها.  
نحن طبعا، على ساحتنا السياسية العربية الإسلامية، لا نعدم مثل هذه الجن، بما فيها تلك التي عصت ربها فأصبحت من المغضوب عليها، كداعش التي رأيناها ونراها تمثل عند البعض أسمى عبارات التصدي للإمبريالية العالمية بينما ليست هي إلا من تجلياتها في عالم أصبحت اللخبطة القيمية فيه على أوجها. 
لذلك، لا يجب أن نغتر مثلا بما قامت به داعش، سنة 2014، من هدم للحدود بين سوريا والعراق في عملية مشهدية تمثلت أساسا في عمل رمزي فيه كل التنديد والازدراء لرسم الحدود كما مثلتها سايكس-بيكو. ففي الآن نفسه، انطلاقا من حق لا يمكن له إلا تهييج حمية الجماهير،  عمل ويعمل التنظيم الإرهابي على زرع باطله في كتابة سايكس-بيكو ما بعد الحداثة من خلال رمزية  الصراع ضدَّ الإمبريالية، لا باسم إسلام صحيح متجذر حيوي، بل بنسخة إسلاموية لا تعمل إلا لما تسعى إلى الحصول  عليه تلك الامبريالية. 
فباسم العداء لها، يمكن للأولى - علنا - وللثانية - خفية - ارتكاب كل الجرائم والاعدامات البشعة الممكنة. فداعش تقترفها بوصفها إعادة نسخ تاريخيَّة لجرائم الغرب الَّتي لا حصر لها في حقّ العالم العربيّ. أما الامبريالية العالمية - بما فيها القوى الصغرى التي تعتمد عليه من العرب وأهل الإسلام، وفيهم داعش بلا أدنى شك -، فهي تستغل فساد داعش والانقسامات العربية الإسلامية للإمعان في القتل الجماعي واستغلال الأرضين وخيراتها وتقطيع أوصال الوحدات الجغرافية سياسيا وأيديلوجيا حسب مصالح اليوم، تماما كما فعلته زمن سايكس-بيكو. 
ماذا تغيّر؟ لا شيء، لأن الأمور على حالها في اللاوعي العربي والمتخيل الإسلاموي. هذا ما يتوجب دراسته وتغييره، لا ما ينتج من  الاتفاقيات السرية وعنها؛ فهي من السياسة خاصة عندما تصبح سياسوية، فلا مفر منها؛ الأفضل تزكية النفس بسياسة أخلاقية.
نشرت على مجلة الدوحة  ببعض التصرّف
بالعدد 102، أبريل 2016 (ص 35-37)