Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

mardi 21 février 2012

Nouvelle modernité politique 6

اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تكرم‭ ‬فيه‭ ‬الحرية‭ ‬بتونس‭ ‬أو‭ ‬تهان‭  !



في‭ ‬انتظار‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬التعقيب‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الأنترنت،‭ ‬لعله‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬الإشارة‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬سيعطي‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬التوجه‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ : ‬هل‭ ‬هو‭ ‬توجه‭ ‬بحق‭ ‬حداثي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأصح‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حداثي،‭ ‬أم‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الحالات‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬ما‭ ‬عرفناه‭ ‬من‭ ‬توجه‭ ‬سياسي‭ ‬قمعي‭ ‬للحريات‭ ‬باسم‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭.‬
طبعا،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الداعين‭ ‬للرقابة،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬يتوقعه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحللين،‭ ‬لن‭ ‬يتردد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السياسيين،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬النهضة،‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم،‭ ‬ترديد‭ ‬مبدأ‭ ‬حرية‭ ‬القضاء‭ ‬لدفع‭ ‬المسؤولية؛‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬سوء‭ ‬النية‭ ‬والتصرف‭ ‬السياسي‭ ‬البالي‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬الثورة‭ ‬للقطع‭ ‬معه‭.‬
نعم،‭ ‬إن‭ ‬حرية‭ ‬القضاء‭ ‬من‭ ‬مطامح‭ ‬الثورة‭ ‬ومبادئها،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الخور‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬ضمنت‭ ‬بعد‭ ‬بالبلاد،‭ ‬فذلك‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬الوقت‭ ‬الطويل‭ ‬والتجارب‭ ‬العديدة؛‭ ‬ولعل‭ ‬الفرصة‭ ‬السانحة‭ ‬اليوم‭ ‬لمن‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬القضاء‭ ‬المستقل‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬حقا‭ ‬نبتغيه‭.
فلن‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬الشعب،‭ ‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬التعقيب‭ ‬ليكبت‭ ‬الحريات‭ ‬على‭ ‬الأنترنت،‭ ‬بأن‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬سادة‭ ‬النهضة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬توكيداتها‭. ‬ولن‭ ‬يفيد‭ ‬ذلك،‭ ‬إذا‭ ‬حصل،‭ ‬قضية‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بين‭ ‬بالطبع،‭ ‬ولا‭ ‬قضية‭ ‬الأخلاق‭ ‬التي‭ ‬سيرتكز‭ ‬عليها‭ ‬ولا‭ ‬محالة،‭ ‬إذ‭ ‬الحريات‭ ‬ستبقى‭ ‬مطمح‭ ‬الشباب‭ ‬وكل‭ ‬الشعب،‭ ‬ولا‭ ‬قامع‭ ‬لإرادة‭ ‬الحرية،‭ ‬إنما‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬الظروف‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬مبدأ‭ ‬من‭ ‬مباديء‭ ‬الإسلام‭ ‬الهامة‭ ‬الذي‭ ‬سيساء‭ ‬فهمه‭ ‬عندها‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.‬
وهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬هو‭ ‬التفريق‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خاص‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬عام،‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬الشخصية‭ ‬للأفراد‭ ‬وحياتهم‭ ‬العامة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬المباديء‭ ‬الأساسية‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬السلفية‭. ‬فالمسلم‭ ‬حر‭ ‬في‭ ‬ارتياد‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬الإنترنت،‭ ‬حتى‭ ‬الإباحية‭ ‬منها،‭ ‬مادام‭ ‬ذلك‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬مستواه‭ ‬الخاص‭ ‬ومسوؤوليته‭ ‬الشخصية‭ ‬كإنسان‭ ‬حر‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬وما‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬صلاحه‭.‬
لأن‭ ‬إيمان‭ ‬المسلم‭ ‬الحق‭ ‬هو‭ ‬إيمان‭ ‬حر‭ ‬لا‭ ‬إيمان‭ ‬إضطراري،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬إذ‭ ‬يبرهن‭ ‬مثلا‭ ‬على‭ ‬تعلقه‭ ‬بالأخلاق‭ ‬الإسلامية‭ ‬فلا‭ ‬يأتي‭ ‬منه‭ ‬ذلك‭ ‬بمنع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يسيء‭ ‬إليها،‭ ‬كالمواقع‭ ‬الإباحية‭ ‬مثلا،‭ ‬بل‭ ‬بعدم‭ ‬ولوجها‭ ‬عن‭ ‬قناعة‭ ‬مع‭ ‬توفر‭ ‬الإمكانية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬نبتغيه‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬لا‭ ‬إسلام‭ ‬التزمت‭ ‬والكبت‭ ‬والحرمان‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬منع‭ ‬الشيء‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ازدياد‭ ‬الرغبة‭ ‬فيه‭ ‬بينما‭ ‬وجوده‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬التدليل‭ ‬علي‭ ‬صحة‭ ‬النية‭ ‬وسلامتها‭.‬
ثم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يقيّم‭ ‬التصرف‭ ‬البشري‭ ‬الشخصي،‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬بعد‭ ‬ضمير‭ ‬الشخص‭ ‬نفسه،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬الضمير‭ ‬أن‭ ‬يتكلم‭ ‬بطلاقة‭ ‬ويدل‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬السوي‭ ‬إذا‭ ‬انعدمت‭ ‬الإغراءات‭ ‬وزالت‭ ‬فرص‭ ‬الإمتحان‭ ‬ووسائله؟وكيف‭ ‬تكون‭ ‬مجاهدة‭ ‬النفس،‭ ‬وهو‭ ‬الجهاد‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتوفر‭ ‬الفرصة‭ _ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬الفرص‭ _ ‬لذلك؟‭ ‬
وبعد،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬عندما‭ ‬يطلب‭ ‬تغطية‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬استفزاز‭ ‬مشاعر‭ ‬المؤمن،‭ ‬فذلك‭ ‬لوجود‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولأن‭ ‬أقل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يستفزها‭ ‬ويلهيها‭ ‬عن‭ ‬المجاهدة‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭. ‬وكذا‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الرسول،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الزمن‭ ‬أقل‭ ‬إباحية‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬وأكثر‭ ‬حياء،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬بالضرورة‭ ‬نتيجة‭ ‬لظهور‭ ‬الإسلام‭.  ‬
أما‭ ‬اليوم،‭ ‬وقد‭ ‬تغيرت‭ ‬الأحوال،‭ ‬فالوصول‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الغاية،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬تنقية‭ ‬النفس‭ ‬وتزكيتها،‭  ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بانعدام‭ ‬ترويض‭ ‬النفس‭ ‬على‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬نوازعها‭ ‬ومقاومتها‭ ‬بل‭ ‬بتوفر‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تمكين‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬دوما‭ ‬على‭ ‬التريض‭ ‬والمجاهدة‭. ‬عندها،‭ ‬وعندها‭ ‬فقط،‭ ‬يكون‭ ‬إيمان‭ ‬المؤمن‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬قناعة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬وعن‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬وصفاء‭ ‬في‭ ‬السريرة‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬فيهما‭ ‬شيء‭. ‬وهذا‭ ‬تمام‭ ‬العقيدة‭.  ‬
ولنأخد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مثلا‭ : ‬فما‭ ‬الفائدة‭ ‬من‭ ‬التبجح‭ ‬بعدم‭ ‬شرب‭ ‬الخمرة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬منعدمة؟‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬الإيمان‭ ‬أكبر‭ ‬إذا‭ ‬انعدم‭ ‬شرب‭ ‬الخمر‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬لا‭ ‬يعدم‭ ‬فيه‭ ‬الخمر‭ ‬ولا‭ ‬يمنع‭ ‬شربه،‭ ‬بل‭ ‬وفيه‭ ‬كل‭ ‬المغريات‭ ‬لشربه؟‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬عندها‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬شرب‭ ‬الخمر‭ ‬بالحقيقة‭ ‬تمسكا‭ ‬بالدين‭ ‬لا‭ ‬مراآة‭ ‬ولا‭ ‬نفاقا؟
قس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬موضوع‭ ‬الإباحية‭. ‬فماذا‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬ولوج‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المواقع‭ ‬إذا‭ ‬انعدمت؟‭ ‬هل‭ ‬لحال‭ ‬كهذه‭ ‬من‭ ‬البيان‭ ‬حقا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتماده‭ ‬علي‭ ‬صدق‭ ‬السريرة‭ ‬وخلاص‭ ‬النية؟‭ ‬ثم،‭ ‬أنعدم‭ ‬ما‭ ‬أوجده‭ ‬الله‭ ‬كامتحان‭ ‬للمسلم‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬إيمانه؟
لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬ولغيرها‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يصعب‭ ‬التفكير‭ ‬فيه‭ ‬للتروي،‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يغلّب‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬العقل‭ ‬على‭ ‬العاطفة‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬بلادنا‭ ‬بحق‭ ‬محجة‭ ‬للإسلام‭ ‬الصحيح،‭ ‬ويكون‭ ‬الإسلام‭ ‬فيها‭ ‬إسلام‭ ‬الإنسان‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تشوب‭ ‬إيمانه‭ ‬شائبة‭ ‬من‭ ‬كبت‭ ‬أو‭ ‬تعقيد‭ ‬نفسي،‭ ‬ويكون‭ ‬تأويل‭ ‬النصوص‭ ‬فيها‭ ‬ذاك‭ ‬التأويل‭ ‬العقلي‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬إسلامنا‭ ‬دين‭ ‬مابعد‭ ‬الحداثة‭ !       ‬
نعم،‭ ‬عندما‭ ‬يقول‭ ‬الشيخ‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الأخير‭ : ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬للإسلام،‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬للحرية،‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬للشعوب‭.. ‬المستقبل‭ ‬للحق‭ ‬وللعدل‭ _‬،‭ ‬فهو‭ ‬بحق‭ ‬كذلك‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الإسلام‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬بعض‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تدّعي‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬من‭ ‬يدّعي‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬من‭ ‬إسلام‭ ‬قطع‭ ‬اليد،‭ ‬وإسلام‭ ‬ختن‭ ‬البنات‭ ‬وإسلام‭ ‬شنق‭ ‬المثليين‭ ‬وإسلام‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات‭ ‬وإسلام‭ ‬تحريم‭ ‬التبني‭ ‬وإسلام‭ ‬إهدار‭ ‬دم‭ ‬المرتد‭ ‬وإسلام‭ ‬تكفير‭ ‬كل‭ ‬بدعة،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬الحق‭ ‬إلا‭ ‬المظهر‭ ‬الذي،‭ ‬بتقادم‭ ‬الزمن،‭ ‬قتل‭ ‬الروح‭ ‬الثورية‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬دين‭ ‬محمد،‭ ‬دين‭ ‬الحنيفية‭ ‬السمحة‭. ‬
إن‭ ‬إسلام‭ ‬الغد،‭ ‬إسلام‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة،‭ ‬لهو‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬تعلو‭ ‬مبادؤه‭ ‬عن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الآنية‭ ‬للبشر‭ ‬لتصبح‭ ‬بحق‭ ‬أزلية،‭ ‬بمعنى‭ ‬صلوحيتها‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ‬لعلميتها‭ ‬وتأقلمها‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬البشرية،‭ ‬كل‭ ‬ذات‭ ‬بشرية،‭ ‬في‭ ‬أهم‭ ‬مميزاتها‭ ‬وأخصها‭. ‬وذلك‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬مبدأين‭ ‬أساسين‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬تنصهر‭ ‬فيهما‭ ‬بقية‭ ‬كل‭ ‬المباديء‭ ‬على‭ ‬أهميتها،‭ ‬ألا‭ ‬وهي،‭ ‬أولا،‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أمور‭ ‬الدنيا‭ ‬وترك‭ ‬أمور‭ ‬الدين‭ ‬لله‭ ‬وحده‭ ‬لعلاقته‭ ‬المباشرة‭ ‬بخلقه،‭ ‬ثم‭ ‬ثانيا،‭ ‬القول‭ ‬بكونية‭ ‬الإسلام‭ ‬وذلك‭ ‬باعتماد‭ ‬مبدأ‭ ‬أن‭ ‬المسلم‭ ‬هم‭ ‬مؤمن‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وأن‭ ‬الإيمان‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬لأنه‭ ‬توحيد،‭ ‬والتوحيد‭ ‬لا‭ ‬يقتضي‭ ‬التقيد‭ ‬بشعائر‭ ‬دون‭ ‬أخرى‭ ‬ولا‭ ‬بشعائر‭ ‬الإسلام‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬بل‭ ‬يقبل‭ ‬شعائر‭ ‬سائر‭ ‬الأديان‭ ‬الموحدة،‭ ‬فيكون‭ ‬إسلامنا‭ ‬بحق‭ ‬دين‭ ‬كل‭ ‬موحد‭ ‬لأنه‭ ‬خاتم‭ ‬الأديان،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬الرؤى‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬مفهوم‭ ‬التوحيد‭ ‬وتأويله‭. ‬فالرأي‭ ‬الأخير‭ ‬يبقى‭ ‬لله‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الأعلم‭ ‬والأقدر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فيعاقب‭ ‬أو‭ ‬يعفو‭ ‬ورحمته‭ ‬أوسع‭ ‬للجميع،‭ ‬وخاصة‭ ‬للمخطيء،‭ ‬وبالأوكد‭ ‬للذي‭ ‬اجتهد‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬أجر‭ ‬الإجتهاد،‭ ‬وذلك‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭.     
ولكن‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬للشيخ‭ ‬الغنوشي‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السياق‭ ‬السابق‭ _ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬صحة‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭] :‬نحن‭ ‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬غيرنا‭ ‬ولا‭ ‬نزال‭ ‬مستعدين‭ ‬لأن‭ ‬نتعلم‭[‬،‭ ‬وهو‭ ‬مما‭ ‬يكتب‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬محالة‭ : _ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬لم‭ ‬يخلق‭ ‬ليكون‭ ‬مقمرة‭ ‬ولا‭ ‬ليكون‭ ‬مركز‭ ‬دعارة،‭ ‬ولا‭ ‬ليكون‭ ‬موبأة‭ ‬فساد‭ ‬وساحة‭ ‬تظالم‭... 

فهنا‭ ‬يكمن‭ ‬هذا‭ ‬الغائب‭ ‬الحاضر‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحديث،‭ ‬وهو‭ ‬ذلك‭ ‬الارتفاع‭ ‬الذي‭ ‬تصبو‭ ‬إليه‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التونسية‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬علمي‭ ‬وكوني‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬الحقة‭ ‬أو‭ ‬القدرة‭ ‬الذهنية‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬تشد‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل،‭ ‬وتلك‭ ‬الأغلال‭ ‬والقيود‭  ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬التهذيبية‭ ‬المفرطة،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬القمع‭ ‬الإرهابي،‭ ‬إذ‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬تجردها‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬وحقيقة‭ ‬الذات‭ ‬البشرية‭ (‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬فهمها‭ ‬وتحدث‭ ‬عنها‭ ‬بكل‭ ‬بلاغة،‭ ‬ذاكرا‭ ‬ما‭ ‬يميّزها‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬ومن‭ ‬انحطاط‭) ‬تنحو‭ ‬إلى‭ ‬تغليب‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬من‭ ‬شيطانية‭ ‬في‭ ‬التصرفات‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬للقدرة‭ ‬الإلهية‭ ‬من‭ ‬عظيم‭ ‬الرحمة،‭ ‬وتلك‭ ‬المغفرة‭ ‬التي‭ ‬تتسع‭ ‬للجميع،‭ ‬حتى‭ ‬للأعمال‭ ‬الشيطانية‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬باب‭ ‬التوبة‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬مفتوحا‭. 
ولكن‭ ‬كيف‭ ‬نترك‭ ‬المجال‭ ‬مفتوحا‭ ‬لتوبة‭ ‬العبد‭ ‬المخطيء‭ ‬وللغفران‭ ‬الإلهي‭ ‬إذا‭ ‬عمدنا‭ ‬إلى‭ ‬إعدام‭ ‬كل‭ ‬مخالف‭ ‬لنا‭ ‬فحرمناه‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬التوبة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬غفران‭ ‬الله‭ ‬لذنوبه‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬حجمها،‭ ‬مادام‭ ‬إيمانه‭ ‬بتوحيده‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه؟كيف‭ ‬تبقى‭ ‬للمسلم‭ ‬حرية‭ ‬التوبة‭ ‬إذا‭ ‬انعدمت‭ ‬حرية‭ ‬الإثم؟‭ ‬وكيف‭ ‬يكون‭ ‬المسلم‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بعبودية‭ ‬إلا‭ ‬لله‭ ‬إذا‭ ‬تعبده‭ ‬عباد‭ ‬مثله‭ ‬فقيّدوا‭ ‬حريته‭ ‬و‭ ‬تأمّروا‭ ‬على‭ ‬تصرفاته‭ ‬وتآمروا‭ ‬على‭ ‬حرياته؟‭  ‬
ولنا‭ ‬للحديث‭ ‬بقية‭...